الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس تفسير الاصحاح الأول من إنجيل لوقا من عدد 29 إلي 33

تفسير الاصحاح الأول من إنجيل لوقا من عدد 29 إلي 33

بواسطة Alber Awadallah
28 الآراء

٢٩ «فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ!».

(ع ١٢)

ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ نشأ اضطرابها من ريبها في معنى الملاك ومن امتزاج خوفها برجائها ولم يظهر أنها اضطربت من منظره وهذا يدل على أن جبرائيل ظهر لها مبشراً لكن كلامه أنشأ اضطراب أفكارها لأنه كان مبهماً عندها وغريباً عن سمعها.

مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ قالت ذلك لأن الملاك هنأها ببركة عظيمة ولم يبيّن لها موضوع التهنئة وهي لم تكن تعهد شيئاً في ماضيها يوجب ذلك ولم تتوقع شيئاً عظيماً في مستقبلها.

٣٠ «فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ».

كلمها الملاك بذلك بياناً أنه أُرسل إليها بشيراً لا نذيراً فأزال به خوفها وسكّن اضطرابها.

٣١ «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ».

(إشعياء ٧: ١٤ ومتّى ١: ٢١ ص ٢: ٢١)

وعد الملاك لمريم بابنٍ كوعده لزكريا بابنه لكنّ وعده لمريم امتاز عنه كل الامتياز لأن ما كان لزكريا إنما تم بواسطة طبيعية. وأما ما كان لمريم فتم بوسائط خارقة الطبيعة وكان ابن زكريا إنساناً كسائر الناس. وأما ابن مريم فكان ابن الإنسان وابن الله.

وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ أي مخلصاً كما وعد الملاك يوسف بعد ذلك (متّى ١: ٢٠). وتقدّم معنى هذا الاسم في الشرح هناك (ع ٣٢ و٣٣).

٣٢، ٣٣ «٣٢ هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، ٣٣ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».

(مرقس ٥: ٧، ٢صموئيل ٧: ١١ و١٢ ومزمور ١٣٢: ١١ وإشعياء ٩: ٦ و٧ و١٦: ٥ وإرميا ٢٣: ٥ ورومية ٣: ٧، دانيال ٢: ٤٤ و٧: ١٤ و٢٧ وعوبديا ٢١ وميخا ٤: ٧ ويوحنا ١٢: ٣٤ وعبرانيين ١: ٨)

هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً هذا وفق الأنباء به في (إشعياء ٥: ٦ و٧). وأنبأ الملاك بمثل ذلك في شأن يوحنا (ع ١٥) ولكن عظمة يسوع فاقت عظمة يوحنا كما تفوق عظمة الملك عظمة سابقه وعظمة السيد عظمة عبده. وعظمة يوحنا كانت هبة من الله وعظمة المسيح كانت ذاتية.

وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ أي ابن الله (عدد ٢٤: ١٦ و٢صموئيل ٢٢: ١٤ ومزمور ٧: ١٧ و٥٧: ٢). ومما تقوم به عظمة المسيح أربعة أمور:

الأول: طبيعته الإلهية كما تدل عليه تسميته «ابن العلي».

الثاني: تسلسل طبيعته البشرية من أعظم الملوك كما يظهر من قوله «داود أبيه» لأنه نسله بحسب الجسد (٢صموئيل ٧: ١٣ ومزمور ٨٩: ٣ و٤ وإشعياء ٩: ٧ وإرميا ٣٣: ١٥ ومتّى ١: ١ ولوقا ٣: ٣١). فاتضح من قول الملاك «داود أبيه» أن مريم من بيت داود. ومريم لم تتعجب من قوله هذا مع أنه ظهر من سؤالها للملاك على أثر ذلك أنها لم تتوقع أن يكون الولد الذي بُشرت به نتيجة اقترانها بيوسف.

الثالث: اتساع مملكته ودوامها كما دل عليه قول الملاك يَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ. وليس المراد بيت يعقوب نسل إسرائيل الجسدي بل كل نسل إسرائيل الروحي وهو كل أولاد إبراهيم بالإيمان وهذا يشتمل على اليهود والأمم أيضاً وهو عبارة عن شعب الله في كل مكان وزمان. ويملك يسوع عليهم بإعطائه إياهم شريعته وجذبه إياهم إلى طاعتها وبحمايته لهم وإرشاده إياهم في هذا العالم الزائل إلى عالم السعادة الابدي.

الرابع: صفاته الشخصية كالحكمة والجودة والرحمة والحلم والقداسة وغيرها. ووظائفه الثلاث وهي كونه كاهناً ونبياً وملكاً. وسمو البركات التي حصّلها لشعبه.

لاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ وعد الله داود بتثبيت كرسي مملكته إلى الأبد (٢صموئيل ٧: ١٣ و١٦). وتم هذا الوعد بيسوع المسيح إذ «رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ بِيَمِينِهِ رَئِيساً وَمُخَلِّصاً» (أعمال ٥: ٣١) فهو يملك إلى الأبد سائداً على قلوب شعبه. ومملكته هي المملكة الوحيدة التي لا تنقرض لأن المسيح لا يضطر إلى ترك مملكته بالموت كملوك البشر.

ولا مناقضة بين قول الملاك هنا وقول بولس الرسول في ١كورنثوس ١٥: ٢٤ – ٢٨. لأن كلام بولس يشير إلى نهاية بعض أعراض ملكوت المسيح لا جوهره، ومن ذلك محاربته للممالك المقاومة له. فإن هذه المحاربة تنتهي بغلبة المسيح حيئنذ على أعدائه. ومنه ممارسة المسيح وظيفته باعتبار كونه وسيطاً لشعبه وهم على الأرض ليحفظهم ويرشدهم ويؤدبهم ويشفع فيهم عند الآب فهذه تنتهي لأن كل شعبه يكون معه حيئنذ في السماء في الأمن والطهارة والسعادة. فيكون الذي ينتهي ما كان موقوتاً من متعلقات ذلك الملكوت ويُكمل بالاتحاد بملكوت الله العام فالنهاية في كلام بولس كالفجر في النهار الكامل.

وحاصل ما في كلام الملاك أربعة أمور تسكين اضطراب مريم ووعدها بابن وتسميته والإنباء بعظمته.

والأرجح أن مريم لم تفهم كل معنى كلام الملاك. والذي فهمته أن ابنها يكون المسيح المنتظر. ولا ريب في أنها توقعت أن يكون ملكاً زمنياً كما كان اليهود يتوقعون أن يكون المسيح. ولو عرفت مريم وعرف يوسف كل ما يختص بجلال طبيعة يسوع لاستحال عليهما أن يخدماه الخدمة التي يقتضيها جلاله طفلاً وولداً.

إيــــــــماني

You may also like