الرئيسية كتبروحية_ بنائية 3- فضائل المؤمنين

كتاب ثمر الروح القدس

القسم الاول: الحياه المسيحيه حياه جديدة

الفصل الثالث: فضائل المؤمنين

الحياه المسيحية حياه جديدة

الفصل الثالث: فضائل المؤمنين

بقلم الدكتور القس:منيس عبد النور

«لِذٰلِكَ ٱطْرَحُوا عَنْكُمُ ٱلْكَذِبَ وَتَكَلَّمُوا بِٱلصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ ٱلْبَعْضِ. اِغْضَبُوا وَلا تُخْطِئُوا. لا تَغْرُبِ ٱلشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ وَلا تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً. لا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً ٱلصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ. لا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ ٱلْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. وَلا تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ ٱلَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ. لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٤: ٢٥-٣٢).

شرح الرسول بولس حالة الوثنيين الفاسدة التي عاشها المؤمنون قبل الإيمان، ثم أوضح حالة المؤمنين الذين خلعوا هذا الفاسد، وتجدَّدوا، ولبسوا الجديد. ثم يبيِّن الرسول فضائل المؤمنين، فيذكر ما يجب أن يرفضوه، وما يجب أن يعيشوه، ويذكر الدافع الذي يدفعهم لرفض الشر وممارسة الخير.

  1. رفض الكذب وعيشة الحق:

    «ٱطْرَحُوا عَنْكُمُ ٱلْكَذِبَ وَتَكَلَّمُوا بِٱلصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ ٱلْبَعْضِ» (آية ٢٥).

    وقال الرسول بولس: «لا تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ ٱلإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ ٱلْجَدِيدَ ٱلَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ» (كولوسي ٣: ٩ و١٠).

    يجب أن نخلع الكذب لأنه من صفات إبليس الذي هو الكذّاب وأبو الكذّاب (يوحنا ٨: ٤٤). ويقول النبي زكريا: «لِيُكَلِّمْ كُلُّ إِنْسَانٍ قَرِيبَهُ بِٱلْحَقِّ. ٱقْضُوا بِٱلْحَقِّ وَقَضَاءِ ٱلسَّلامِ فِي أَبْوَابِكُمْ» (زكريا ٨: ١٦).

    كان المجتمع اليوناني يسمح بالكذب إن كان فيه فائدة.

    وعندنا من يقول إن الكذب جائز في ثلاث حالات: في الحرب، وفي إصلاح المتخاصمين، وفي كلام الزوج مع زوجته وفي كلام الزوجة مع زوجها! ولكن الكتاب يعلّمنا أن نطرح الكذب ونتكلم بالصدق باستمرار.

    يكذب الناس ليهربوا من مشكلة، أو ليتفادوا اللوم، أو ليُظهِروا أنهم صالحون. وقد يكذبون كذباً صريحاً بغير خجل، وقد يسمُّونه أبيض، وقد يكون الكذب بالسكوت على الخطأ وعدم إعلان الحق. لكن المؤمن الذي خلع القديم يجب أن يطرح كل كذب «وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ مِنَ ٱلْحَقِّ» (١يوحنا ٢: ٢١).

    أما الدافع على طرح الكذب وقول الصدق فهو أننا «بعضنا أعضاء البعض». يقول القديس يوحنا فم الذهب: «هل تخدع العين اليد؟» وقال رجل حكيم: «لو قالت الأعصاب للمخ إن الشيء الساخن بارد، ويمكن أن يلمسه الجسم بدون ضرر.. ألا تكون النتيجة أن الجسم يحترق؟!»

    الكذب يضر «الجسد» كله. والجسد هو المجتمع، وهو الكنيسة، وهو العائلة، لأننا أعضاء في هذه الهيئات كلها. فكيف نضر الجسد الذي ننتمي إليه؟

  2. رفض الخطية وممارسة الغضب المشروع حتى لا نعطي إبليس مكاناً:

    «اِغْضَبُوا وَلا تُخْطِئُوا. لا تَغْرُبِ ٱلشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ وَلا تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً»(آيتا ٢٦ و٢٧).

    وهذه الآية قد تعني: لا تخطئوا بأن تغضبوا، أو: اغضبوا بشرط أن لا تخطئوا. والأغلب أن المعنى الثاني هو المقصود.

    هناك غضب خاطئ، وهناك غضب مشروع. الغضب المشروع هو الغضب الموجَّه ضد الخطية، والغضب الخاطئ هو الموجَّه ضد الخاطئ، وهو الغضب الذي لا مبرر له، الناتج عن الحقد، وهو الذي يسبِّب الضرر.

    غضب المسيح غضباً مشروعاً لما رأى رجال الدين في عصره يستخدمون بيت الله بيت تجارة، فطهَّر الهيكل وصنع سوطاً من حبال وطرد الباعة والصيارفة (يوحنا ٢: ١٣-١٦). وغضب على القادة الدينيين في عصره لأنهم كانوا يعطلون عمل الخير، فوبَّخهم، ونظر إليهم بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم (مرقس ٣: ٥). ولذلك يأمرنا الرسول بولس: «أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ» (رومية ١٢: ١٩). بمعنى أعطِ مكاناً للغضب المشروع وأعطِ الغضب فرصة ليمضي ويزول.

    «اغضبوا ولا تخطئوا». فما أسرع ما نغضب مخطئين. لنحترس من أن نغضب بسبب مصالحنا الشخصية، أو بسبب إساءة شخصية صدرت ضدنا، فإن هذا هو الغضب الخاطئ.

    «ولا تغرب الشمس على غيظكم» – لا تربّوا الغضب في نفوسكم، فإن «ٱلْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ ٱلْجُهَّالِ» (جامعة ٧: ٩).

    يجب أن يكون يوم الغضب هو يوم المصالحة. أوصى معلمٌ يهودي تلاميذه أن لا يناموا حتى يصفّوا كل ما في نفوسهم من سلبياتٍ نحو الآخرين، لأنهم إن لم يُصلحوا الخصام بسرعة فقد لا يتصالحون أبداً. وطلب الفيلسوف اليوناني فيثاغورس من تلاميذه أن يسلّموا على من يغضبون عليه قبل الغروب.

    ونلاحظ أن غروب الشمس هو بداية اليوم عند اليهود. ويطلب الرسول بولس منّا ألاّ نبدأ يوماً جديداً وفي نفوسنا غضب خاطئ!

    أما الدافع على طرح الغضب الخاطئ فهو «لا تعطوا إبليس مكاناً». لأن «إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ» (١بطرس ٥: ٨).

    فإذا أعطيناه، بغضبنا، فرصةً فإنه يبتلعنا. إنه يبدأ بالقليل. ثم يزيد ويزيد حتى يأخذ المكان كله. لذلك لا يجب أن نعطيه مكاناً من البدء.

    إذا غضبنا وأخطأنا نجد أننا دخلنا في سلسلة من الخطايا التي لا آخر لها، ونعطي إبليس مكاناً! كم من عائلة انقسمت، وصداقة ضاعت، وكنيسة ضعفت بسبب غضب خاطئ استغله الشيطان!

    يقول المرنم: «اِرْتَعِدُوا وَلا تُخْطِئُوا» (مزمور ٤: ٤). وترجمتها الترجمة السبعينية: «اغضبوا ولا تخطئوا». وقد قالها داود لأتباعه بعد الثورة الفاشلة التي قام بها ضده ابنه أبشالوم. لكنهم غضبوا وأخطأوا وقتلوا، وأخذ إبليس مكاناً كبيراً بينهم. وهذا ما حدث مع موسى الذي غضب وأخطأ وفرط بشفتيه، وضاعت منه فرصة دخول أرض الموعد (مزمور ١٠٦: ٣٣).

    لا تعطِ إبليس مكاناً ليشتكي عليك حين تخطئ. إن كان قد اشتكى على أيوب البار وهو لم يخطئ، فكم تكون شكواه عليك وأنت تغضب وتخطئ؟ ولا تعط إبليس فرصةً ليوقعك في غضب أكثر وخطإٍ أكبر. احترس من الغلطة الأولى لأنها تجرُّ وراءها الثانية والثالثة. ولا تصدق شكوى الشيطان على إخوتك حتى تكرههم وتغضب عليهم وتتكلم عنهم ردياً.

    الذي لا يحب أخاه يعطي إبليس مكاناً (١يوحنا ٢: ١١)

    الذي يغضب لا يستفيد ولا يصنع بر الله (يعقوب ١: ٢٠).

    لذلك يقول الرسول بولس: «وَٱلَّذِي تُسَامِحُونَهُ بِشَيْءٍ فَأَنَا أَيْضاً. لأَنِّي أَنَا مَا سَامَحْتُ بِهِ – إِنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحْتُ بِشَيْءٍ – فَمِنْ أَجْلِكُمْ بِحَضْرَةِ ٱلْمَسِيحِ، لِئَلا يَطْمَعَ فِينَا ٱلشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لا نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ» (٢كورنثوس ٢: ١٠ و١١).

  3. رفض السرقة وممارسة العمل الصالح:

    «لا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً ٱلصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ»(آية ٢٨).

    كانت السرقة شائعة بين الأمم، خصوصاً في مكانين: في الموانئ حيث ترسو السفن، وفي الحمامات الشعبية حيث كان أصحاب الملابس القديمة يتركونها ويلبسون الجديد من ملابس الآخرين. وكانوا يقولون إن السرقة جائزة لمساعدة المساكين.

    ويقول الرسول بولس إن الذي كان في حياته الماضية سارقاً، ثم عرف المسيح المخلِّص، لا يعود يسرق فيما بعد، لأنه خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد.

    وهناك أنواع مختلفة من السرقة في المجتمع:

    صاحب العمل الذي لا يدفع للعامل أجراً كافياً يظلم العامل ويسرق تعبه. كما أن العامل الذي لا يؤدي واجبه كما يجب يسرق صاحب العمل.

    الذي يلوك سيرة الناس يسرق صيتهم الحسن وسمعتهم الطيبة.

    الذي يقترض مالاً ولا يردُّه يسرق الذي أعطاه السُّلفة.

    الذي يلعب القمار ويربح يسرق مال اللاعبين معه.

    الذي يدَّعي أنه فقير ويطلب المساعدة، مع أنه يقدر أن يساعد نفسه، يسرق مال الإحسان والخير.

    الذي لا يدفع العشور يسلب حقَّ الله في ماله، ويقول الله له: «سَلَبْتُمُونِي… فِي ٱلْعُشُورِ وَٱلتَّقْدِمَةِ» (ملاخي ٣: ٨).

    «لا يسرق. . بل يتعب عاملاً الصالح بيديه». فالمسيحية تقدِّس العمل، لأن العمل واجب وشرف. و «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلا يَأْكُلْ أَيْضاً» (٢تسالونيكي ٣: ١٠).

    ويقدم لنا الرسول بولس مثالاً صالحاً في قوله: «حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ» (أعمال ٢٠: ٣٤) وأوصى: «وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ ٱلْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ١١).

    أما الدافع على ترك السرقة وعمل الصالح فهو «ليكون له أن يعطي من له احتياج». كل من يقدر أن يشتغل يجب أن يعمل، لكن العاجز عن العمل يجب أن يجد المساعدة من القادرين على مساعدته. يجب أن يعمل القوي ليساعد العاجز، فليس أحد منّا يعيش لنفسه: «وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ ٱلْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجاً، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِيهِ؟» (١يوحنا ٣: ١٧). «فَإِذاً حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ ٱلْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلا سِيَّمَا لأَهْلِ ٱلإِيمَان» (غلاطية ٦: ١٠).

  4. رفض الكلام الرديء والتكلُّم بالصالح:

    «لا تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحاً لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ ٱلْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. وَلا تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ ٱلَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ»(آيتا ٢٩ و٣٠).

    الكلام الرديء يخرج من القلب الشرير، وكل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين (متى ١٢: ٣٥ و٣٦). وهو الكلام المرّ الذي يضايق من يسمعه (مزمور ٦٤: ٣) والذي يجيء من التواء الفم وانحراف الشفتين (أمثال ٤: ٢٤).

    والكلمة «رديء» في الأصل اليوناني معناها «عطن، وبالٍ، وغير صالح للاستعمال، ولا يستحق». لذلك يصلي المرنم: «ٱجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِساً لِفَمِي. ٱحْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ» (مزمور ١٤١: ٣).

    والمطلوب أن يكون كلامنا «صالحاً للبنيان». كان كلام أيوب صالحاً للبنيان، فقال له صديقه أليفاز التيماني: «قَدْ أَقَامَ كَلامُكَ ٱلْعَاثِرَ وَثَبَّتَّ ٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَة» (أيوب ٤: ٤). فليكن كلامنا صالحاً حتى يبني شخصية الذي يسمعه، وينعش الروح والعقل والجسد، فيصير السامع أفضل حالاً بعد أن يسمعه.

    ويجب أن يكون كلامنا «حسب الحاجة» يناسب الظرف والحال، يتم فيه القول: «تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا» (أمثال ٢٥: ١١).

    ويجب أن «يعطي نعمة للسامعين». والنعمة هي الجمال. فليكن كلامنا صالحاً يبهج السامعين ويجمِّل حياتهم، عندما تنسكب النعمة على شفتي المتكلِّم (مزمور ٤٥: ٢) فيقدر أن يطيع الوصية الرسولية: «لِيَكُنْ كَلامُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ» (كولوسي ٤: ٦).

    هل يجد السامعون نعمةً في كلامنا معهم وفي استماعنا إليهم؟ وهل يجدون في ما نقوله التشجيع والتعزية؟

    أما الدافع على ترك الكلام الرديء وقول الكلام الصالح، فهو لكي «لا تحزِنوا روح الله القدوس». ويعلِّمنا الكتاب المقدس أن لا نقاوم الروح (أعمال ٧: ٥١). وأن لا نطفئه (١تسالونيكي ٥: ١٩) وهنا يطلب منا أن لا نحزنه، وفي هذا تحذير حتى لا نتمرَّد ونُحزن روح قدسه (إشعياء ٦٣: ١٠) كما أحزنه بنو إسرائيل في البرية بعصيانهم وعدم إيمانهم (مزمور ٧٨: ٢٠). يجب ألاّ نحزنه بكلامٍ رديء، بل نقدم له السجود والإكرام بالكلام الصالح البنَّاء الذي يعطي نعمة للسامعين.

    «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ فَسَيُفْسِدُهُ ٱللّٰهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ مُقَدَّسٌ ٱلَّذِي أَنْتُمْ هُوَ» (١كورنثوس ٣: ١٦ و١٧).

  5. رفض الانفعالات الردية وممارسة المشاعر الطيبة:

    «لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي ٱلْمَسِيحِ» (آيتا ٣١ و٣٢).

    وقال أيضاً: «فَٱلْبَسُوا كَمُخْتَارِي ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلْمَحْبُوبِينَ أَحْشَاءَ رَأْفَاتٍ، وَلُطْفاً، وَتَوَاضُعاً، وَوَدَاعَةً، وَطُولَ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ ٱلْمَسِيحُ هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً» (كولوسي ٣: ١٢ و١٣).

    في هاتين الآيتين يطلب الرسول منا أن نخلع الانفعالات الرديئة، ونلبس الشعور الطيب. أما الدافع على ذلك فهو أن المسيح سبق أن سامحنا.

    يجب أن نخلع كل «مرارة». والمرارة هي إحساس الإنسان بالضيق حين يذكر إساءات الناس وظلم الحياة، فيكون سريع الغضب بطيء الرضا. وهي عكس الحلاوة. والمرارة سامة مثل الحربة المسنونة، تتلف حياتنا، ويمكن أن تدمرها. وقد نجا الملك حزقيا من المرارة فقال: «هُوَذَا لِلسَّلامَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِيَ ٱلْمَرَارَةُ، وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ» (إشعياء ٣٨: ١٧).

    ونخلع كل «سخط». والسخط هو الغضب السريع الذي يشبه نار القش، يحرق العقل ويوقفه عن التفكير السليم.

    ونخلع كل «غضب». والغضب هو ردُّ الفعل السريع على إساءات الناس، واختزانه في ذاكرتنا وقلوبنا حتى يصير كراهية وحقداً.

    ونخلع كل «صياح». والصياح هو ارتفاع صوتنا في المناقشة والجدل. قال رجلٌ حكيم: «حين يرتفع صوتك في المناقشة فيجب أن تتوقَّف عن الكلام». وقال الكتاب عن المسيح: «لا يُخَاصِمُ وَلا يَصِيحُ، وَلا يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي ٱلشَّوَارِعِ صَوْتَهُ» (متى ١٢: ١٩).

    ونخلع كل «تجديف». والتجديف هو الكلام الرديء على الله وعلى الناس. إنه اللعنة والنميمة. ويقول الرسول يعقوب: «لا يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ. ٱلَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ ٱلنَّامُوسَ وَيَدِينُ ٱلنَّامُوسَ» (يعقوب ٤: ١١)

    ونخلع كل «خبث». والخبث هو فساد القلب الذي منه تصدر كل الشرور. قال القديس يوحنا فم الذهب إن الخبث هو النار التي تشعل الوقود في الداخل دون أن يراها الناس، لكنهم يلمسون تأثيرها الهدام.

    وإذ نخلع هذه الانفعالات الشريرة يجب أن نلبس الشعور الحسن..

    «كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض». واللطف هو نفع الآخرين ومساعدتهم، وهو من ثمر الروح. والكلمة «لطيف» هي نفسها كلمة «خفيف» التي وصف بها المسيح حِمله، حين قال: «حملي خفيف» (متى ١١: ٣٠).

    «كونوا شفوقين». والشفقة هي الحنو ومعاملة الناس كإخوة، وأن نكون «ذَوِي مَحَبَّةٍ أَخَوِيَّةٍ، مُشْفِقِينَ، لُطَفَاءَ» (١بطرس ٣: ٨). والشَّفوق هو الذي يحنو على الناس في ضعفهم، ولا يسبِّب لهم الألم بدون فائدة.

    «متسامحين». بمعنى أن نغفر للناس ذنوبهم كما نطلب من الله أن يغفر لنا، ثم ننسى الإساءة، كما غفر الله لنا وطرح خطايانا وراء ظهره لينساها ولا يعود يذكرها في ما بعد!

    أما الدافع على التخلُّص من الانفعالات الردية، ولبس الشعور الطيب فهو قوله: «كما سامحكم الله أيضاً في المسيح». سامحنا المسيح ونحن أعداء أشرار، ليس فينا خير. سامحنا ولم ينتظر منا أجراً. فعلى مثاله نسامح ونغفر، ونخلع الغضب والصياح والخبث!

    كتب القديس أكليمندس رسالة يقول فيها: «إن كنا ننتقم من الذين يسيئون إلينا فهذا عمل إنساني. وإن كنا لا ننتقم من المسيئين إلينا فهذا عمل فلسفي. لكن إن كنا نعمل الخير مع الذين يسيئون إلينا فهذا عمل إلهي».

    «قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ» (رومية ١٣: ١٢).

    فلنخلع العتيق الفاسد.. ولنتجدد كل يوم.. ولنلبس الجديد على مثال الله في البر وقداسة الحق.

    نشر بتصريح من نداء الرجاء

    https://call-of-hope.com/

You may also like