الرئيسية كتبدفاعيات 25-الفصل الثاني: تعذُّر البحث في الذات الإلهية

كتاب الله ذاته ونوع وحدانيته

تعذُّر البحث في الذات الإلهية

عوض سمعان

25-الفصل الثاني: تعذُّر البحث في الذات الإلهية

وليس القرآن وحسب هو الذي لا ينتقد تثليث المسيحية، بل يُستنتج من أقوال الأئمة وعلماء الدين أيضاً أنهم لا يتعرضون له بالنقد إطلاقاً، لأن التثليث هو ذات اللّه، وهم لا يبحثون مطلقاً في ذات اللّه، بل وينهون أيضاً عن البحث فيها، كما يتضح مما يلي:

  1. لمَّا سُئل أبو بكر الصديق: «بمَ عرفت ربك؟» أجاب: «عرفت ربي بربي، ولولا ربي، ما عرفت ربي». ولمَّا سُئل: «هل يتأتىَّ لبشر أن يدركه؟» أجاب: «البحث في ذات اللّه إشراك، والجهل بذاته إدراك». ولمَّا سُئل علي بن أبي طالب هذا السؤال قال: «عرفت ربي بما عرفني به نفسه.
  2. لا يُدرك بالحواس، ولا يُقاس بالقياس، ولا يُشبَّه بالناس. قريب في بعده، بعيد في قربه». ولمَّا سأل الزمخشري الإمام الغزالي عن معنى «الرحمن على العرش استوى» قال له: «إذا استحال أن تعرف نفسك بكيفية أو أينية، فكيف يليق بعبوديتك أن تصف الربوبية بأينية أو كيفية، وهو مقدس عن الأين والكيف».
  3. وقال الإمام علي: «من وصف اللّه سبحانه وتعالى فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله. ومن أشار إليه فقد حدَّه، ومن حدّه فقد عدّه».
  4. وجاء في كتاب اليواقيت: «إن الحق تعالى إنما حيَّر عقول عباده فيه، لئلا يدخل تحت حكم ما خلق… فلذلك انفرد سبحانه وتعالى بالحيرة في وصف كماله. فما عَلِمَه سواه، ولا شاهده غيره، ولا أحاط به أحد عِلْماً».
  5. وقال الشيخ محيي الدين: «وما طلب الحق تعالى منا إلاَّ العلم بوجوده وألوهيته لا غير، وأما الحقيقة فلا».
  6. وجاء في كتاب الفتوحات عنه تعالى: «لا يُعرف خبره ولا تُعلم عينه» وأيضاً: «من خاض في الذات بفكره فهو عاص للّه ورسوله. وما أمر اللّه تعالى بالخوض في معرفة ذاته». وأيضاً «إعلم أن الحق تعالى لا يُدرك بالنظر الفكري أبداً، وليس عندنا أكبر من ذنب الخائضين في ذات اللّه بفكرهم، فإنهم قد أتوا بأقصى درجات الجهل».
  7. وكان السلف يقولون: «لا تجوز معرفة حقيقة الذات الإلهية عقلاً أو شرعاً»، ولذلك كانوا ينصحون الناس بالقول: «تفكروا في خلق اللّه ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا. لأنه مهما خطر ببالكم عنه، فهو بخلافه».

ونحن نتفق كل الاتفاق مع هؤلاء الأئمة والعلماء على تعذُّر البحث في ذات اللّه. بل وأيضاً على عدم جواز البحث فيها، ومن جانبنا لولا أن الكتاب المقدس قد نصَّ على أن اللّه هو «الآب والابن والروح القدس» وأن الأدلة العقلية والنقلية قد أثبتت لنا صدق هذا النص وغيره من النصوص، لما خطر ببالنا مطلقاً أن يكون هذا هو كنه اللّه، أو حقيقة ذاته، وأقصى ما كان يخطر ببالنا عنه، هو أنه جامع في ذاته ومستغن بها كل الاستغناء.

ومع كلٍ، فإن القرآن قد شهد أن المسيحيين يؤمنون بالإله الواحد الذي لا شريك له، فقد جاء في العنكبوت ٢٩: ٤٦ «وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِٱلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ». كما إننا إذا رجعنا إليه وجدنا أنه وإن كان لم يذكر مطلقاً أن «الآب والكلمة والروح القدس» هم اللّه، فقد ذكر أن للّه «كلمة» و «روحاً».

فقال فيما قاله عن كلمة اللّه «إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» (النساء ٤: ١٧١).

وقال عن «الروح» «آتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ» (البقرة ٢: ٨٧) – فمن هاتين الآيتين، يمكن أن نستنتج أن القرآن يشهد أن للّه كلمة وروحاً، وأن «كلمة اللّه» هو «المسيح» وأن الروح هو «روح القدس».

واستيفاءً للبحث، لنتأمل في الصفات والأعمال التي يسندها القرآن وعلماء الدين إليهما، لنعرف حقيقة كل منهما من وجهة نظره ونظرهم، كما عرفناها من وجهة نظر الكتاب المقدس وفلاسفة المسيحيين، من قبل.

وقال قتادة: «للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة، ولكن الدين واحد، الذي لا يُقبل غيره، وهو التوحيد والاخلاص للّه، الذي جاءت به الرسل» (تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية ص١١٣).

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com

You may also like