الرئيسية كتبدفاعيات 22-الفصل الثاني: آراء الفلاسفة المنتمين إلى المسيحية اسماً

كتاب الله ذاته ونوع وحدانيته

آراء الفلاسفة المنتمين إلى المسيحية اسماً

عوض سمعان

الفصل الثاني: آراء الفلاسفة المنتمين إلى المسيحية اسماً

انتمى هؤلاء الفلاسفة إلى المسيحية يوماً، لكن بسبب تأثُّرهم بالفلسفة اليونانية وغيرها، فسَّروا بعض الآيات الكتابية تفسيراً يختلف عن غرض الوحي منها، فنُبذت وتنبذ الكنيسة آراءهم نبذاً تاماً. وفيما يلي أهم هذه الآراء والرد عليها:

  1. قال الموزكيون، في القرن الثالث: «اللّه أقنوم واحد، ولكنه ثلاثة بالتجليات، فهو آب باعتبار أنه قدّر الخلاص، وابن باعتبار أنه تجسد وتمم الخلاص، وروح قدس باعتبار أنه في قلوب الناس ليتمتعوا بهذا الخلاص» – وقال سابليوس الذي كان أسقفاً لباطليماس «الآب والابن والروح القدس ليسوا أسماء أقانيم، بل أسماء ظهورات لأقنوم واحد: سُمي الآب لأنه الخالق، والابن لأنه الفادي، والروح القدس لأنه المقدِّس». وقال إكسياس: «أقنوم الآب هو بعينه أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس معاً». وقال فوتينوس في القرن الرابع: «الآب والابن والروح القدس ليسوا ثلاثة أقانيم، بل أقنوم واحد، هو اللّه. غير أن الابن بالنسبة إلى اللّه، هو بمثابة العقل إلى الإنسان، والروح القدس بالنسبة إليه هو بمثابة الحياة إلى الإنسان».

    الرد: اعتبر هؤلاء الفلاسفة أن وحدانية اللّه هي وحدانية مطلقة، وهذا خطأ محض. لأنه لو كانت هذه هي وحدانيته، لما اتَّصف بصفة إيجابية، ولما قام بعمل دون أن يتعرّض للتطوّر والتغيّر، الأمر الذي لا يتفق مع كماله وثباته بأي حال من الأحوال. ومما يدل أيضاً على خطئهم وتناقض أقوالهم، أنهم مع اعتبارهم وحدانية اللّه وحدانية مطلقة، أسند إليه بعضهم ثلاثة مظاهر، والحال أن القائم بوحدانية مطلقة لا يكون له مظهر ما، لأنه ليست له مميزات تجعل له كياناً خاصاً. وجعله البعض الآخر مركباً من ذات وعقل وحياة. والحال أن اللّه لا تركيب فيه على الإطلاق.

  2. قال بولس، الذي كان أسقفاً لساموسطا في القرن الثالث: «الكلمة والروح صادران من اللّه أزلاً». وقال أريوس في القرن الرابع: «الآب وحده هو الإله الأصلي الواجب الوجود، أما الابن والروح القدس فهما كائنان خلقهما اللّه في الأزل، ليكونا وسيطين بينه وبين العالم، وهما مشابهان له في الجوهر، لكن ليسا واحداً معه». وقال أموري دي بين في القرن الثالث عشر: «الأقانيم الثلاثة ليست هي اللّه، بل هي كائنات سامية خلقها اللّه أزلاً، لتقوم بتنفيذ أغراضه».

    الرد: اعتبر هؤلاء الفلاسفة أن وحدانية اللّه هي وحدانية مطلقة، ثم أسندوا إليه خلق كائنين أو ثلاثة في الأزل، وبذلك أسندوا إليه التغيّر والتطوّر، إذ يكون بناء على اعتقادهم، قد دخل بالخلق في علاقة لم يكن لها أساس في ذاته أصلاً، ولذلك فآراؤهم ليس لها نصيب من الصواب.

  3. وقال نسطور في القرن الخامس: «الآب هو الوجود، والكلمة هي العلم، والروح القدس هو الحياة. والعلم ليس شيئاً سوى الوجود عالماً، والحياة ليست شيئاً سوى الوجود حيّاً أو عاملاً، ولذلك فإنهم ليسوا أقانيم، بل هم أقنوم واحد هو الآب أو اللّه».

    الرد: اعتبر نسطور وحدانية اللّه وحدانية مطلقة، ثم أسند إليه العلم والحياة، أو العلم والعمل، وهذا خطأ كما مر بنا، لأن القائم بوحدانية مطلقة لا يتصف بصفة إيجابية ولا يقوم بعمل، دون أن يتعرَّض للتغيُّر والتطوّر، واللّه لا يتغيّر ولا يتطوّر. كما جعل صفات اللّه هي عين ذاته، وهذا خطأ أيضاً. ولذلك إذا رجعنا إلى تاريخ النساطرة وجدنا أنهم كانوا، كغيرهم من الفلاسفة، يبحثون فيما إذا كانت صفات اللّه هي ذاته أم غير ذاته، وفيما إذا كانت قديمة أو حادثة، فوقعوا بذلك في مشكلات كثيرة من جهة ذات اللّه.

  4. وقال ألتريثيستيون في القرن السادس: «للأقانيم ثلاث طبائع تختلف إحداها عن الأخرى كل الاختلاف». وقال روسلان في القرن الحادي عشر: «في اللّه من الجواهر بقدر ما فيه من أقانيم».

    الرد: اعتبر هؤلاء الفلاسفة اللّه مكوَّناً من ثلاثة جواهر أو طبائع، فاعتبروه بذلك مركّباً. ولمَّا كان المركّب من جواهر قابلاً للتجزئة معرضاً للنزاع الداخلي بينه وبين نفسه، واللّه لا يتجزأ ولا يتعرض لمثل هذا النزاع، لذلك فآراؤهم ليس لها نصيب من الصواب.

  5. وقال جون سكوت في القرن الثالث عشر: «اللّه مبدأ ووسط وغاية. والوسط مزدوج، فتنقسم بذلك الطبيعة الإلهية إلى أربع طبائع. (فأولاً) اللّه من حيث هو مبدأ الأشياء، هو «الآب» أو الطبيعة غير المخلوقة الخالقة، وهو ذات بسيطة لا تمايز فيها. ولا تضاف إليها صفة إلاَّ مع كلمة فوق. (ثانياً) اللّه من حيث هو وسط تقوم الموجودات فيه وتتحرك به، هو من جهة «الابن» أو الطبيعة المخلوقة الخالقة، أو الكلمة الصادرة عن اللّه الحاوية مُثُل الأشياء وعللها الأولى، في أكمل بساطة واتحاد. ومن جهة أخرى أو (ثالثاً) هو «الروح القدس» أو الطبيعة المخلوقة غير الخالقة، أو العالم متحققاً خارج اللّه. (رابعاً) اللّه من حيث هو غاية ترجع إليه الموجودات، هو الطبيعة غير المخلوقة» .

    الرد: اعتبر هذا الفيلسوف وحدانية اللّه وحدانية مطلقة، وأسند إليه طبائع مختلفة، واعتبر العالم من طبائعه، وكل ذلك باطل، لأن وحدانية اللّه هي وحدانية جامعة مانعة، ولأنه لا تركيب فيه بوجه من الوجوه، ولأنه شيء والعالم شيء آخر.

  6. وقال جيوم في القرن الثالث عشر: « الابن يُولد حينما يرى اللّه على أي نحو أنه سيخلق الأشياء وينظّمها. والروح القدس ينبثق حينما تمتد الإرادة الإلهية من القدرة والحكمة إلى الخلق والتدبير، فهو تثليث ليس بالنسبة إلى اللّه، بل بالنسبة إلى العالم».

    الرد: اعتبر هذا الفيلسوف وحدانية اللّه مطلقة، واعتبر الابن كائناً يصدر عن اللّه ليعبّر عن أفكاره ومقاصده، واعتبر الروح القدس قوة تنبثق من اللّه عندما يقوم بالخلق والتدبير، وبذلك يكون قد أسند إلى اللّه التطوّر والتغيُّر، وهذا ما لا يتناسب مع كماله أو ثباته، كما ذكرنا فيما سلف.

  7. وقال بوهمي في القرن السابع عشر: «اللّه في ذاته آب وابن وروح قدس، فالآب إرادة وقوة، والابن هو موضوع إرادة الآب وقدرته. فالآب بدون الابن، هو إرادة وقوة بدون موضوع (أو بتعبير آخر) هو هاوية وموت ولا وجود، ولذلك فالابن هو النور الذي ينير الوجود الإلهي أما الروح القدس، فهو الإشعاع المتصل بالابن، أو بالحري المتصل بالنور».

    الرد: لعل غرضه من عبارة إن المسيح هاوية وموت ولا وجود، هو أن اللّه (أو اللاهوت) بدون «الابن» يكون أشبه بالسكون والخلاء، منه بالكائن الذي يتصف بصفات واضحة تدل على أن له وجوداً ذاتياً، لأن بوهمي كان يعتقد كغيره من الفلاسفة، أن اللاهوت يتنزّه عن الاتصاف بصفات يمكن بها معرفة شيء عنه.

    وقد جعل بوهمي الآب صفتين، وجعل الابن صورة تتجلى فيها هاتان الصفتان، وجعل الروح القدس شعاعاً يعلنهما في الخارج، وبذلك يكون قد نفى الأقنومية عن الآب والروح القدس، كما جعل اللّه مركباً من طبائع مختلفة، والحال أنه لا تركيب فيه على الإطلاق. ومع كلٍّ فإنه يُفهم من أقواله إنه يعتقد أن وحدانية اللّه هي وحدانية مطلقة، لكنه يحاول تصويرها كوحدانية جامعة مانعة، ولذلك جاءت أقواله مخالفة للقائلين بهذه الوحدانية، والقائلين بتلك.

  8. وقال «كانت» في القرن الثامن عشر: «الآب والابن والروح القدس ثلاث صفات أساسية في اللاهوت، وهي القدرة والحكمة والمحبة، أو ثلاثة فواعل هي الخلق والحفظ والضبط».

    الرد: جعل «كانت» وحدانية اللّه وحدانية مطلقة، ثم أسند إليه بعض الصفات والأعمال، ولم يدر بخلده أن اتصاف اللّه بصفات وقيامه بأعمال يدل على أن وحدانيته هي وحدانية جامعة مانعة.

  9. قال سويدنبرج في القرن التاسع عشر: «يُطلق الثالوث على المسيح وحده فلاهوته هو الآب، ولاهوته المتحد بناسوته هو الابن، ولاهوته الصادر عنه هو الروح القدس».

    الرد: جعل سويدنبرج وحدانية اللّه وحدانية مطلقة ثم أسند إليه الصدور، فجعله بذلك معرضاً للتفكك والانفصال، وكل ذلك باطل.

ومن هذا الفصل يتضح لنا:

  1. يميل هؤلاء الفلاسفة (مع اختلافهم في الثقافة والجنسية والبيئة والعصور التي عاشوا فيها) إلى اعتبار وحدانية اللّه وحدانية مطلقة، ويحاولون تفسير تثليث المسيحية بالفلسفة اليونانية أو غيرها. لكن لم يتيسر لهم ذلك ولن يتيسر أيضاً لغيرهم، لأن هذا التثليث ليس مقتبساً من الفلسفة بل هو إعلان اللّه عن ذاته، وذاته ليس لها نظير في العالم على الإطلاق.
  2. وأنهم مع خروجهم على الكتاب المقدس، وإطلاقهم العنان لعقولهم، رأوا جميعاً أن اللّه لسبب سموه الذي يفوق العقل والإدراك، لا يتصل بخلائقه مباشرة، ولذلك افترضوا أنه مكوَّن من طبائع مختلفة، أو أنه أخرج من ذاته (أو خلق من اللاشيء) كائناً أو كائنين للقيام بتنفيذ مقاصده، وهذه هي نفس الافتراضات التي افترضها كثير من الفلاسفة الذين عاشوا قبل الميلاد بمئات السنين، وهي تتعارض مع وحدانية اللّه وعدم وجود تركيب فيه، ومع قدرته الذاتية واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود، كما تتعارض مع ثباته وعدم تعرضه للتغيُّر أو التطور. ومع كلٍّ فإن آراءهم وإن كانت تتعارض مع المسيحية، فإنها تدل أيضاً بطريق غير مباشر على أن كون اللّه أقانيم، أمر يتوافق كل التوافق مع كماله واستغنائه بذاته، وعدم تعرّضه للتغير والتطور.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com

You may also like