الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس تفسير إنجيل متى – الإصحاح ٣ (القس ديفيد كوزيك)

خِدمة يوحنا المعمدان

أولًا. خدمة يوحنا المعمدان العامة.

أ )  الآيات (١-٢): رسالة يوحنا المعمدان.

١وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ ٢قَائِلًا: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ.١.  وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ: يقدم متى لنا واحدة من الشخصيات الرائعة في العهد الجديد. فكان هذا هو يوحنا ابن زكريا وأليصابات، الذي أُعلن عن ولادته المعجزية لهذين الزوجين الطاعنين في السن، إلى جانب دعوته ليُعد الطريق للمسيا، في لوقا ١.

·      فِي تِلْكَ الأَيَّامِ: “إنه مصطلح عام يكشف قليلًا عن التسلسل الزمني ولكنه ينبَّر على أن الحدث تاريخي.” كارسون (Carson)

٢.  يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلًا: «تُوبُوا»: كانت رسالة يوحنا دعوة إلى التوبة. ويعتقد بعض الناس أن التوبة تدور في الغالب حول المشاعر، خاصة الشعور بالأسف على خطيتك. ومن الرائع أن تشعر بالأسف حيال خطيتك، لكن التوبة ليست كلمة “شُعورية” بل إنها كلمة “حَرَكية.” فقد أخبر يوحنا مستمعيه بإجراء تغيير في الذهن، وليس مجرد الشعور بالأسف لما قد فعلوه. فالتوبة تعبر عن تغيير الاتجاه، وليس مجرد حزنٌ في القلب.

·      هل التوبة هي شيء يجب أن علينا فعله قبل أن نأتي إلى الله؟ الإجابة هي: نعم ولا. فالتوبة لا تصف شيئًا ما يجب علينا فعله قبل أن نأتي إلى الله؛ بل إنها تصف كيف يكون الإتيان إلى الله. إذا كنتَ في نيويورك، وطلبت منك المجيء إلى لوس أنجيلوس، فأنا لا أحتاج حقًا إلى قول: “اترك نيويورك واذهب إلى لوس أنجيلوس.” فالمجيء إلى لوس أنجيلوس يعني مغادرة نيويورك، وإذا لم تغادر نيويورك، فبالتأكيد لن تصل إلى لوس أنجيلوس. فلا يمكننا القدوم إلى مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ ما لم نترك خطايانا وحياتنا الذاتية.

·      إن دعوة التوبة مهمة ويجب عدم إهمالها. ومن الصحيح تمامًا أن نقول إنها الكلمة الأولى في الإنجيل.

ü     كانت التوبة الكلمة الأولى في أخبار يوحنا المعمدان السارة (متى ١:٣-٢).

ü     كانت التوبة الكلمة الأولى في أخبار يسوع السارة (متى ١٤:٤ ومرقس ١٤:١-١٥).

ü     كانت التوبة الكلمة الأولى فى الخدمة التبشيرية للتلاميذ الاثني عشر  (مرقس ١٢:٦).

ü     كانت التوبة الكلمة الأولى في المأمورية العظمى التي أعطاها يسوع لتلاميذه بعد قيامته (لوقا ٤٦:٢٤-٤٧).

ü     كانت التوبة أول كلمة في تقديم النصيحة في أول عظة (أعمال الرسل ٣٨:٢).

ü     كانت التوبة الكلمة الأولى في فم الرسول بولس خلال خدمته (أعمال الرسل ١٩:٢٦-٢٠).

·      لم تكن البرية التي كَرز بها يوحنا صحراوية بالضبط. “كان الجو حارًا، وبِغّض النظر عن الأردن نفسه، كان المكان قاحلًا إلى حد كبير، إن لم يكن غير مأهول بالسكان.” كارسون (Carson)

٣.  لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ: أراد يوحنا أن يُعّرف الناس أن مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ كان قريبًا جدًا.  فلم يكن ملكوت السماوات بعيد المنال أو كأنه حُلم، كما كانوا يتخيلون. ولهذا السبب كان يوحنا مُلّحًا في دعوته للتوبة. فإذا كان مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ قريبًا جدًا، فيجب علينا الاستعداد الآن.

  • رسالة يوحنا الرئيسية لم تكن “أنت آثم؛ أنت بحاجة إلى التوبة،” بل كانت رسالة يوحنا الرئيسية هي “المسيا المَلك قادمٌ.” فكانت دعوة التوبة هي الاستجابة للأخبار التي تفيد بأن الملك وملكوته قادمون؛ بل إنه في الواقع، قد جاء فعلًا.

·      يرى بعض العلماء التدبيريين فرقًا بين مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ وملكوت الله، وهي المصطلحات السائدة المستخدمة في إنجيلي مَرقس ولوقا. والفكرة هي أن ملكوت الله هو مملكة روحية حاضرة الآن، ولكن مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ يشير إلى الأرض الألفية القادمة في روعتها. والتفسير الأفضل هو أن متى قد استخدم ببساطة مصطلح “مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ” بدلًا من “ملكوت الله” لتفادي الإساءة للقراء اليهود، الذين يرفضون في كثير من الأحيان الإشارات المباشرة إلى الله، فيشيرون إلى مكان سكناه، بدلًا من الإشارة إليه مباشرة.

·      يعطي آدم كلارك (Adam Clarke) فكرة أكثر بُعدًا: “لكن لماذا جاءت التسمية ملكوت السماوات؟ لأن الله صمَّمَ أن مملكة النعمة هنا يجب أن تشبه مملكة المجد في العُلا. ومن ثمَّ يعلمنا ربنا أن نصلي هكذا: “كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْض.”

ب) الآيات (٣-٤): هوية يوحنا المعمدان

٣فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». ٤وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلًا بَرِّيًّا.١.  أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ: استخدم متى هذا المقطع من (إشعياء ٣:٤٠) لتحديد شخصية يوحنا المعمدان باعتباره الشخص الذي تم التنبؤ عنه أنه سيُعد الطريق للمسيا. وفي هذا الدور، كان غرض يوحنا هو إعداد القلوب للمسيا، وإيقاظ وعي شعب إسرائيل بالخطيئة، حتى يتمكنوا من الحصول على الخلاص من الخطيئة، الخلاص الذي يقدمه المسيا (متى ١٢:١).

·      “بحسب إنجيل يوحنا ٢٣:١، أشار المِعمدان بهذا المقطع إلى نفسه. وإنجيل مَتّى هنا يفعل ذلك نيابة عنه.” كارسون (Carson)

٢.  اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً: إن المقطع الذي استشهد متى به من (إشعياء ٣:٤٠) يُقصد به إعداد طريق جوهري لمجيء ملك مهيب. والفكرة هي سد الثقوب وهدم التلال، تلك العوائق التي في الطريق.

·      “إن الفكرة مأخوذة من ممارسة الملوك الشرقيين، الذين، عندما كانوا يدخلون في رحلة استكشافية أو يقومون برحلة عبر بلد صحراوي، يرسلون القوافل أمامهم لإعداد كل الأمور لمرورهم، ولتمهيد السبيل لفتح الممرات، وتسوية الطرق، وإزالة جميع العوائق.” كلارك (Clarke)

·      إن فكرة إعداد طريق الرب هي صورة بلاغية، لأن الإعداد الحقيقي يجب أن يحدث في قلوبنا. وبناء الطريق يشبه إلى حد كبير الإعداد الذي من شأن الله القيام به في قلوبنا. كلاهما مكلف، ويجب على كل منهما مواجهة العديد من المشاكل والأجواء المختلفة، وكلاهما يتطلب مهندسًا خبيرًا.

·      كان يسوع هو المسيا والملك القادم، وكان يوحنا المعمدان هو الشخص الصَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، ومن خلال رسالته للتوبة، كان يعمل على إعداد طريق الرب. وغالبًا ما نفشل في تقدير مدى أهمية العمل الإعدادي من أجل الرب. فأي عمل نبيل لله يبدأ بالتحضير الجليل.

·      “كانت قلوب الناس مثل البرية، حيث لا توجد طريق؛ لكن مع قيام الأتباع الأوفياء بتمهيد الطرق لوصول الأمراء المحبوبين، كان الناس يرحبون بالرب، بقلوب صحيحة ومستعدة لاستقباله.” سبيرجن (Spurgeon)

·      إن طريق يهوه معد ومُجّهز في (إشعياء ٣:٤٠)، وفي (متى ٣:٣) إنها طريق يسوع. إن تعيين هوية يسوع بيهوة هو أمر شائع في العهد الجديد (كما في خروج ٢١:١٣؛ كورنثوس الأولى ٤:١٠، وإشعياء ١:٦، ويوحنا ٤١:١٢).

٣.  كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ: كان يوحنا المعمدان في شخصيته وخدمته على غرار إيليا الجسور (ملوك الثاني ٨:١)، الذي دعا إسرائيل إلى التوبة بلا خوف.

·      “كان لدى كل من إيليا ويوحنا خدمات صارمة، أكد فيها الزي والنظام الغذائي المتقشفان رسالتهما، وأدانا عبادة الأصنام المتمثلة فى الرخاوة الجسدية والروحية.” كارسون (Carson)

·      انطلاقًا من روح عصر اليوم، كانت خدمة يوحنا لتصبح مختلفة تمامًا. فلم يكن ليبدأ في البرية أو يرتدي ملابس مضحكة. لم يكن ليبشر بهذه الرسالة الواضحة. بل كان ليستخدم استطلاعات التسويق ومجموعات التركيز، لصقل رسالته وعرضه التقديمي. ولكن لم يكن يوحنا مدفوعًا بروح عصر اليوم، ولكن بروح الله.

·      لم يكن يوحنا المعمدان يحاول أن يكون ممهد السبيل هذا الشبيه بإيليا الذي تم التنبؤ به في (ملاخي ٥:٤)، كما لو أنه قرر من تلقاء نفسه جعل هذا مصيره وصورته العامة. فقد عرف يوحنا الكلمات التي قيلت لوالده زكريا قبل ولادته:”وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا.” (لوقا ١٧:١). وهذا ببساطة هو ما كان يوحنا المعمدان عليه، ويمكن للمرء أن يقول أنه هذا ما كان عليه قبل حتى أن يتم إنشاءه في الرحم.

·      “على الرغم من محدودية نظامه الغذائي، فقد كان مغذيًا ومتاحًا بسهولة في البرية.” فرانس (France)

·      “يا رب، لا تدع خبزي أو شرابي أو لباسي، يعيقني عن عملك!” سبيرجن (Spurgeon)

ج)  الآيات (٥-٦): نجاح خدمة يوحنا.

٥حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ، ٦وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ.١.  حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ: تم استقبال خدمة يوحنا برد فعل رائع. فقد كان هناك الكثير من الناس الذين أدركوا خطاياهم، وحاجتهم إلى الاستعداد لمجيء المسيا، وكانوا على استعداد لفعل شيء حيال ذلك.

·      تحت تأثير نعمة الله، أثمرت رسالة يوحنا، رسالة التوبة والدعوة لإعداد الطريق لمجيء المسيا، ثمارًا عظيمة. “كانت المعمودية من أجل الخطاة، ولم يخطر ببال أي يهودي أنه آثم بعيد عن الله. والآن وللمرة الأولى في تاريخهم القومي، أدرك اليهود خطيتهم وحاجتهم الماسة لله. ولم يحدث من قبل أن كانت هناك مثل هذه الحركة الوطنية الفريدة من التوبة والبحث عن الله.” باركلي (Barclay)

·      “لقد خلق وعظه نهضة واسعة النطاق، وشكل أتباعه مجموعة مهمة في اليهودية التي حافظت على وجودها حتى بعد فترة العهد الجديد.” فرانس (France)

·      في الواقع، كتب يوسيفوس عن يوحنا المعمدان أكثر مما كتب عن يسوع. فقد كان تأثير يوحنا المعمدان واضح بعد عقود من بدء خدمته، كما يتضح في سفر أعمال الرسل ٢٥:١٨، ٣:١٩.

·      كُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ: “كلمتي ’كل‘ و’الجميع‘ غالبًا ما تعني ’الكثير‘ في الكتاب المقدس، لأنه لا يمكن تخيل أن كل فرد في أورشليم والمنطقة حول الأردن، قد ذهب لسماع يوحنا المعمدان، لكن الأكثرية قد فعلوا ذلك.” بوول (Poole)

٢.  وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ: قدم يوحنا مع المعمودية غسلًا طقسيًا للاعتراف بالخطيئة وفعل شيء لإظهار التوبة. فقبل أن نتمكن من الحصول على ملكوت السماوات، يجب أن ندرك فقرنا في الروح (متى ٣:٥). وهذا النوع من الوعي بالخطيئة هو الأساس لمعظم النهضات والحركات الإنتعاشية.

·      إن المعمودية تعني ببساطة “الانغماس أو الغمر.” فيوحنا لم يقم بالرش عندما كان يُعّمد. وكما كانت العادة في بعض طقوس التطهير اليهودية الأخرى، غمر يوحنا تمامًا أولئك الذين عمَّدهم. “بطبيعة الحال، لم تكن المعمودية مجرد رش بالماء، ولكن تغطيس غُمر فيه الجسد بالكامل.” باركلي (Barclay)

·      كانت المعمودية تمارس في المجتمع اليهودي بالفعل في صورة غَمرات طقسية، ولكن عادة ما كانت فقط بين ا الأمميين الذين يرغبون في أن يصبحوا يهودًا. وبالنسبة لليهودي الذي من شأنه أن يخضع للمعمودية في زمن يوحنا، كان أمرًا جوهريًا أن يقول: “أنا أعترف بأنني بعيدٌ عن الله كُبعد الوثني عنه، واحتاج إلى أن أتصالح مع الله.” كان هذا عملًا حقيقيًا للروح القدس.

·      ربما كانت معمودية يوحنا مرتبطة بالممارسة اليهودية المتمثلة في تعميد الأمميين المتحولين لليهودية، أو ببعض عمليات التطهير الاحتفالية التي كان اليهود يمارسونها في ذلك الزمن. وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك بعض الروابط، إلا أنه كان أمرًا فريدًا في الوقت نفسه – فريد جدًا بحيث أصبح يوحنا يعرف ببساطة باسم “المِعْمَدان.” فإذا افتُرض أنه كان هناك الكثير من الأشخاص يفعلون ذلك، فإنه لن يكون لقبًا فريدًا.

·      “كانت معمودية يوحنا شيئًا جديدًا. وأقرب المتوازيات المعاصرة في ذلك الزمان هي المعمودية الذاتية للأممي عندما يتهود، والتطهيرات الطقسية المتكررة (التي كان يتم إدارتها ذاتيًا أيضًا) في قمران.” فرنسا (France)

·      إن معمودية المؤمنين هي مثل معمودية يوحنا في أنها تبرهن على التوبة، لكن الأمر أبعد من ذلك. فالمعمودية تتم في المسيح؛ أي في موته وقيامته (رومية ٣:٦).

٣.  مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ: كان هذا جانبًا مهمًا آخر، وهو قرين الدعوة إلى التوبة. فقد كان هؤلاء اليهود جادين جدًا في إصلاح علاقتهم بالله.

·      “إن صيغة اسم الفاعل تعني ’حين الاعتراف‘ وليس ’شريطة أن يعترفوا.‘ فكان الاعتراف بالخطايا من قِبل أفراد أمرًا جديدًا في إسرائيل. كان هناك اعتراف جماعي في يوم الكفارة العظيم، واعتراف فردي في بعض الحالات المحددة (سفر العدد ٧:٥)، ولكن لم يكن يسبق أن حدث إفضاء بسرائر النفس، تلقائي ذاتي كبير مثل هذا، من قِبل النفوس التائبة؛ فلقد كان كل إنسان يفعل ذلك على حِدا، لذا، لابد وأنه كان مشهدًا مذهلًا.” بروس (Bruce)

·      “إن ’الاعتراف بخطاياهم‘ الذي كان جنبًا إلى جنب مع المعمودية في الأردن أعطى المعمودية معناها؛ فبدون الاعتراف بالخطية، كانت المعمودية مجرد تغطيس للشخص دون وجود مدلول روحي.” سبيرجن (Spurgeon)

د )  الآيات (٧-١٢): مواجهة يوحنا للفريسيين والصدوقيين.

٧فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ ٨فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ٩وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ. ١٠وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. ١١أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. ١٢الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ».

١.  فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ: هذه هي مقدمتنا لهاتين المجموعتين المهمتين في الديانة اليهودية في القرن الأول. فهاتين المجموعتين كانتا مختلفتين للغاية، وغالبًا كانتا في صراع. ومعًا كانا يمثلان قيادة الديانة اليهودية.·      أشار ماثيو بوول (Matthew Poole) إلى أربعة أمور عن الفريسيين:

ü     كانوا يعتقدون أن المرء يضحى صالحًا من خلال حفظ الناموس، وكانوا يعتقدون أنهم من الصالحين بهذه الطريقة.

ü     غالبًا ما كانوا يسيئون تفسير الناموس.

ü     اعتنقوا العديد من التقاليد واعتبروها مساوية لسُلطة الكتب المقدسة.

ü     كانوا في الغالب منافقين في ممارساتهم، متجاهلين جوهر وروح الناموس فيما يتعلق بالطقوس الخارجية.

·      أطلق بروس (Bruce) على الفريسيين “المتزمتين الناموسيين، العالِمين في الدين.” وقال عن الصدوقيين أنهم “رجال أعمال وعالميين، ومعظمهم من الطبقة الكهنوتية.”

٢.  يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟: اتهم يوحنا هؤلاء الزعماء بأنهم يريدون اظهار الاهتمام بالمسيا، في حين أنهم يفتقرون إلى التوبة الحقيقية. لذلك طالبَ يوحنا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ.

·      “ربما جاء الكثير من الفريسيين والصدوقيين ليعتمدوا بمباهاتهم التي كانت تميز أنشطتهم الدينية الأخرى؛ فلقد كانوا يُبْدون للعالم مدى استعدادهم للمسيا، على الرغم من أنهم لم يتوبوا.” كارسون (Carson). وقد ذكّرَهم يوحنا بأن التوبة الصادقة ستظهر نفسها في واقع الحياة. فيجب أن يكون الأمر توبة مُعاشة، وليس مجرد حديث عن التوبة.

·      “أنتم تأتون إلى هنا وتدفعون أنفسكم في خضم حشد من التائبين، لكن هذا لا يكفي، فالتوبة الحقيقية ليست شيئًا عقيمًا، إذ يجب عليك أن تثمر ثمار القداسة، تلك الثمار التي من شأنها أن تعبر عن طبيعة التوبة الحقيقية.” بوول (Poole)

·      بالطبع كان معظم الشعب اليهودي يؤمن بالْغَضَب الآتِي، ولكن الاختلاف كان يكمن في أهداف تلك الدينونة. “لقد كانوا يرون في الدينونة أنها تخص الشعوب الأممية فقط، ولكنه كان يرى أن هذه الدينونة موجهة نحو الشر الموجود في إسرائيل.” بروس (Bruce)

·      يمكننا أن نتعلم الكثير من وعظ يوحنا المعمدان في قوله: “اهربوا مِنَ الْغَضَب الآتِي.”

ü     هذا الْغَضَب هو غضب الله.

ü     هذا الْغَضَب عادل ومستحق.

ü     غالبًا ما يتم تجاهل هذا الغضب أو تجاهله لأنه غير فوري؛ ولكنه آتٍ.

ü     لا يجب أن يُنظر إلى هذا الغضب أنه غير يقيني لمجرد أنه مؤجل؛ لأنه آتٍ.

ü     هذا الغضب فظيع عندما يأتي لأنه غضب الله.

ü     هذا الغضب لا يمكن الوقوف أمامه؛ فالطريقة الوحيدة للنجاة منه هي الهروب منه بنجاح.

·      ما أخبرهم يوحنا أن يفعلوه هو أمر مفيد أيضًا: اهربوا

ü     الهروب ينطوي على إجراء فوري.

ü     الهروب ينطوي على عمل سريع.

ü     الهروب ينطوي على حركة مستقيمة بلا تعرجات.

٣.  وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا: يُحذرهم يوحنا أن يتوقفوا عن الثقة في تراثهم اليهودي، إذ يجب عليهم التوبة حقًا، وليس مجرد الثقة في مزايا انتسابهم لإبراهيم.

  • كان هناك تعليم واسع النطاق في ذلك الزمان مفاده أن انتساب اليهودي لإبراهيم كان كافيًا لخلاص أي يهودي وأنه لا يمكن لشخص يهودي أن يذهب إلى الجحيم. ويشير يوحنا إلى أن هؤلاء الفريسيين والصدوقيين من عائلة مختلفة؛ هم أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، والأفاعي هي فصيلة تنتمي إلى الثعابين!

·      وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ: “لقد لوحظ إلى حد بعيد، أن هناك إشارة هنا إلى ما يعمله الحَطَّاب، الذي، بعد وضعه لعلامة على شجرة ما من أجل اقتطاعها، يضع فأسه على جذرها، ثم يخلع لباسه الخارجي، حتى يتسنى لضربات فأسه أن تكون أشد قوة، وكذا لشغله أن يتم بسرعة.” كلارك (Clarke)

·      “لم يكن هناك عملُ تقليمٍ وتشذيبٍ قد جاء يوحنا للقيام به؛ بل كان هو الممسك بفأس حاد، الذي كان من شأنه أن يقطع كل شجرة لا قيمة لها.” سبيرجن (Spurgeon)

٤.  أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ: معمودية يوحنا كانت لِلتَّوْبَةِ. وفي هذا الصدد، لم تكن مماثلة للمعمودية المسيحية أو المعمودية للمسيح (رومية ٣:٦)، والتي تتضمن اظهار التوبة والتطهير، ولكنها أيضًا تُقر باتحاد المؤمن بموت يسوع وبدفنه وبقيامته (رومية ٣:٦-٤).

٥.  الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ: يدرك يوحنا مكانته أمام يسوع. إنه شخص لا يستحق أن يحمل حذاء يسوع، ولم يعتبر نفسه أعلى بكثير من أولئك الذين دعاهم إلى التوبة، وكان يعرف أين يقف بالقياس إلى يسوع (عوضًا عن أن يفخر بالحشود التي قد اجتذبها والاستجابة التي عاينها).

·      بقوله هذا، وضع يوحنا نفسه في علاقة أقل مع يسوع من التلميذ العادي لأي معلم يهودي. “كان من المتوقع أن يتصرف التلميذ تقريبًا كعبد لسيده، لكن أن يحُلَّ حذائه كان مهمة أدنى للغاية لتكون حتى لتلميذ.” (الكيتوبوث ٦٩أ)

٦.  هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ: يحذرهم يوحنا كي يستعدوا لمجيء المسيا، لأنه سيأتي بقضاء.

·      سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: هذا هو سكيب الروح، الموعود به ليكون في العهد الجديد (حزقيال ١٤:٣٧).

·      وَنَارٍ: إن التعميد بالنار يعني جَلْب نيران القضاء، تلك التي ستطهر الأنقياء، ولكنها ستدمر الأشرار مثلما تفعل النار بالتبنالتِّبْنُ هو بقايا لا قيمة لها في ساق القمح بعد إزالة نواة الحبوب. فهؤلاء القادة الفخورين وغير التائبين كانوا بلا فائدة لله. “التنقية بالنار كانت أيضًا رجاءًا نبويًا (إشعياء ٤:٤، زكريا ٩:١٣، ملاخي ٢:٣، قارن بإشعياء ٢٥:٢). لذلك يتنبأ يوحنا بتطهير حقيقي، بالمقارنة مع رمزه الظاهري البسيط.” فرانس (France)

·      “مذراةٌ قَذفت بكلاهما إلى الهواء: فعصفت الريح بالتبن بعيدًا، وسقطت الحبوب الأثقل، ليتم جمعها من على الأرض، ومن ثمَّ كُنِس التبنُ المبعثر وحُرق،  وتم تنظيف البيدرَ.” كارسون (Carson)

·      اعتقد القادة اليهود في أن المسيا سيأتي بقضاء، لكن بقضاء ضد أعداء إسرائيل فقط. فقد كانوا عميان في ثقتهم ببرهم الذاتي، وأن الآخرون فقط هم بحاجة إلى أن يُصلحوا طرقهم مع الله. وكثيرون اليوم لديهم الفكرة ذاتها. “للأسف نحن بحاجة ماسة ليوحنا المعمدان اليوم. فإن الكثير مما نسميه المسيحية ليس سوى وثنية مسيحية. فنحن بحاجة إلى أن يأتي يوحنا المعمدان بكلماته الصارمة عن الفأس والمِذراة والنار؛ لن ينفع أي شيء أقل من ذلك لإعداد الطريق لمجيء جديد للمسيح.” ماير (Meyer)

ثانيًا. خدمة يوحنا في تعميد يسوع.

أ ) الآيات (١٣-١٤): يسوع يأتي إلى يوحنا ليعتمد منه.

١٣حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. ١٤وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!»١.  حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ: هذا ظهور جوهري ليسوع بعد غيابه سنوات كثيرة عن الساحة. فهذه الأعمال الأولى في خدمته العامة تحمل دلالة عظيمة في فهم بقية خدمته.

٢.  جَاءَ يَسُوعُ: لم يكن يسوع مضطرًا أن يعتمد. لقد جاء إلى يوحنا بمشيئته وحده. فهناك بعض التقاليد القديمة والكاذبة (مذكورة في كتابات باركلي Barclay) والتي مفادها أن يسوع قد اعتمد من واقع ضغوط من والدته وإخوته. فنظرًا لأن الكل كانوا يفعلون ذلك، فقد اعتقدوا أنه يجب عليه أن يفعل ذلك هو أيضًا.

٣.  أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!: لقد أدرك يوحنا المفارقة الكامنة في هذا الموقف. فلم يكن لدى يسوع شيء ليتوب عنه، وهكذا من الأنسب أن يعمد يسوعُ يوحنَا.

·      كان الأمر كما لو أن يوحنا قد قال ليسوع، “أحتاج إلى معموديتك التي بالروح والنار، أنت لا تحتاج معموديتي التي بالماء.” فرانس (France)

ب) الآية (١٥): يسوع يسمح لنفسه أن يُعمد من قِبل يوحنا.

١٥فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ.١.  لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ: لقد فهِمَ يسوع لماذا بدا هذا غريبًا على يوحنا، لكن كان من الضروري، رغم ذلك، أن يُكمَّلَ كلُ بر. فلم يكن هذا التصرف في حد ذاته قد حقق كل البر، لكنه كان خطوة جوهرية أخرى في مأمورية يسوع الشاملة للاتحاد بالإنسان الساقط الخاطئ، تلك المأمورية التي لا يمكن تتميمها إلا على الصليب في النهاية.

·      ومع ذلك، سيكون من السهل على أي متفرج أن يعتقد أن يسوع كان مجرد آثم آخر يُجرى تعميده؛ لذلك قد اتحد بالإنسان الخاطئ. “قد تؤدي معمودية المسيح إلى سوء فهم، تمامًا كما فعل ارتباطه بالعشارين والخطاة، وقد كان راضيًا بأن يُساء فهمه.” بروس (Bruce)

٢.  حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ: كان غرض يسوع هو أن يوحد نفسه تمامًا بالإنسان الخاطئ. وهذا بالضبط ما فعله في ولادته ونشأته وموته. لذلك هنا، عندما سَمَحَ لَهُ يوحنا، وقف يسوع في مكان الإنسان الخاطئ.

·      “في المعمودية اعترف بخطايا، كأنها خطاياه، تلك التي لم يرتكبها، وتاب عنها أمام الله. لقد أُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ.” مورجان (Morgan)

·      هناك أيضًا دلالة بأن هذه كانت بداية جديدة جوهرية ليسوع؛ ليس بمعنى التحوّل عن الخطيئة، بل في الانفصال عن حياته السابقة. “وفقًا للأهمية الرمزية للطقس كدلالة على الموت عن الحياة القديمة والارتقاء إلى حياة جديدة، جاء يسوع ليُعمَّد بمعنى الموت عن العلاقات الطبيعية القديمة بوالديه وجيرانه والدعوة الأرضية وتكريس نفسه من الآن فصاعدًا لدعوته المسيانية العامة.” بروس (Bruce)

ج)  الآيات (١٦-١٧): الشهادة الإلهية لمكانة يسوع باعتباره ابن الله.

١٦فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، ١٧وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».

١.  السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ: كان من المهم بالنسبة لله الآب أن يثبت علانية أن معمودية يسوع لم تكن مثل معمودية أي شخص آخر، في معنى أنها مظهرًا من مظاهر للتوبة، إذ أنها لم تكن كذلك؛ بل بالحري كانت اتحادًا بالخُطاة، بدافع من الحب، وقد كانت مُسرَّة لله الآب.٢.  رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ: كانت هذه تجربة مثيرة مع الروح القدس، مع روح الله نازلًا على يسوع بطريقة يمكن رؤيتها في الواقع (كان الأمر يشبه إلى حد ما حلول روح الله على التلاميذ المجتمعين في أعمال الرسل ١:٢-٤).

·      يصيغها (لوقا ٢٢:٣) هكذا: “وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ.” بطريقة ما، كان الروح حاضرًا، وقد “نزل” على يسوع مثل حَمَامَةٍ. مهما كان الأمر بالضبط، فقد كان حقيقيًا. يشير
يوحنا ٣٢:١-٣٤ إلى أن يوحنا المعمدان قد رأى هذه الظاهرة وفهم مغزاها.

·      لم تكن هذه عطية مؤقتة من رُوحَ اللهِ. فلدينا شهادة يوحنا المعمدان في يوحنا ٣٢:١-٣٣)، عندما قال أنه رأى الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. فكان يسوع على وشك أن يبدأ خدمته العامة، وسوف يفعل ذلك بقوة رُوحَ اللهِ. “لقد كان روح الله هو الذي أنجح خدمة يسوع المسيح.” سبيرجن (Spurgeon).

·      كيف ترمز الحمامة لعمل الروح القدس:

ü     مثل الحمامة، يمكن أن يكون عمل الروح القدس سريعًا.

ü     مثل الحمامة، يمكن أن يكون عمل الروح القدس رقيقًا ولطيفًا.

ü     مثل الحمامة، عمل الروح القدس يجلب السلام.

ü     مثل الحمامة، فإن عمل الروح القدس غير ضار.

ü     مثل الحمامة، فإن عمل الروح القدس يُفصِح عن الحب.

٣.  هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ: عندما تكلم صوت الله الآب هذا من السماء، أدرك الجميع أن يسوع لم يكن مجرد إنسان آخر يتم تعميده. لقد أدركوا أن يسوع هو ابن الله الكامل (الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ)، متحدًا مع الإنسان الخاطئ. بهذا قد عَلِمَ الجميع أن يسوع كان مختلفًا. لقد تعمَّد يسوع ليتحد مع الإنسان الشرير، لكنه تعمد أيضًا لكي يعرفه الإنسان الشرير.

·      يخبرنا لوقا ٢١:٣ أن السماء قد فتحت بينما كان يسوع يصلي. “بينما كان يصلي؛ إذ أن الصلاة هي مفتاح السماء، حيث من خلالها نستطيع أن نحصل من خزانة الله على رحمة وفيرة لأنفسنا ولغيرنا.” تراب (Trapp)

·      في هذا أيضًا أبدى الله الآب رضاه عن حياة يسوع حتى هذه المرحلة. “من خلال الإعلان الإلهي في المعمودية، أعلن الله حضور الملك، ووضع ختم مصادقته على السنوات التي عاشها ذلك الملك بالفعل.” مورجان (Morgan)

٤.  رُوحَ اللهِ نَازِلًا… ابْني الْحَبِيبُ: لا ينبغي أن نفوت هذه النقطة الواضحة: الله الآب يحب الله الابن، ويعبر عن هذا الحب من خلال الله الروح القدس. هنا نرى علاقة الحب والتعاون بين الأقانيم في الثالوث، في مناسبة واحدة، عندما تجلى فيها الله الآب والله الابن والله الروح القدس في الوقت ذاته.

·      “لقد أحب الله ابنه للغاية، فأعطاه العالم كله مُلكًا له (مزمور ٢)؛ لكنه أحب العالم، لدرجة أنه بذل الابن وكل شيء من أجل فداء العالم. ” تراب (Trapp)

·      ليس هناك ما يشير إلى أن يسوع قد أصبح ابن الله بهذه التجربة. “لا نحتاج أن نفترض أن يسوع لم يكن لديه خبرة سابقة بالروح؛ فالرؤية ترمز إلى تكليفه بعمله المسياني، وليس بمكانة روحية جديدة.” فرانس (France)

You may also like