الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس ٣ – صليب المسيح حكمة إلهية (٢ : ٦ – ٣ : ٤)

٣ – صليب المسيح حكمة إلهية (٢ : ٦ – ٣ : ٤)

قد يظن البعض أن الإنجيل يتعارض مع الحكمة والفلسفة والقوة. وقد يظنون أنه لا يجتذب إلا جماعة البسطاء الفقراء غير المتعلمين، ولذلك فإن الرسول بولس يسارع بأن يشرح أن الإنجيل حكمة إلهية عظيمة. وفي هذا الجزء يتحدث الرسول أولاً عن طبيعة الحكمة الإلهية (٢: ٦ – ١٠) ثم يوضح أن وسيلة إعلان هذه الحكمة الإلهية ليست الفطنة العقلية بل اختبار روحي(٢ : ١٠ – ٣: ٤).

(أ) طبيعة الحكمة الإلهية

٦ لٰكِنَّنَا نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ بَيْنَ ٱلْكَامِلِينَ، وَلٰكِنْ بِحِكْمَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلا مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، ٱلَّذِينَ يُبْطَلُونَ. ٧ بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٨ ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ – لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ. ٩ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ ٱللّٰهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. ١٠ فَأَعْلَنَهُ ٱللّٰهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ (١كورنثوس ٢: ٦ – ١٠)

يتكلم الرسول بولس بحكمة بين الكاملين – أي المسيحيين الأكثر نضوجاً، الذين ارتفعت مَلَكاتهم الروحية بإلهام الروح القدس، فأدركوا أن الصليب هو طريق الله للغفران والفداء. هذه الحكمة ليست من هذا الدهر، ولا من عظماء هذا الدهر الذين يُبطَلون، الذين هم مثل بيلاطس وهيرودس وكهنة اليهود الذين صلبوا المسيح، ولا مثل المعلّمين والفلاسفة اليهود، الذين استندت نظرياتهم في الحياة إلى هذا العالم الفاني المتقلّب، فلم تفسح مجالاً لعقيدة الصليب (وهي الحكمة النازلة من فوق). هؤلاء سيُبطَلون ويبقى المسيح وملكوته. على أن بولس يتكلم بحكمة الله في سر، وهي الحكمة التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد. هذه الأشياء التي تحدَّث عنها الرسول هي عالية…رائعة، أعلنها الله لنا بروحه، وهي ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان – لا في السماء ولكن هنا على الأرض. وهذا الذي لم تره عين ولم تسمع به أذن قد أعلنه الله لنا نحن بروحه. فبفعَّالية الروح القدس في القلوب نستطيع أن نرى الحكمة الإلهية الموجودة في الصليب.

هل أدركت حكمة الله؟ إنها ليست محاولة بشرية، أو انتقاداً عقلياً، أو يأساً رافضاً، بل هي خطة الله التي تؤدي الى الحياة الأبدية الساكنة في المؤمنين. هي فرح لا ينتهي، لأن حضور الله في المؤمن الذي طهرَّه دم المسيح يملأ حياته بالسعادة والسلام.

هل تشكر فاديك الذي أشركك في حكمته، التي لم يستطع العالم أن يدركها، ولم يستطع أن يقبلها؟

آية للحفظ

«بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا» (١كورنثوس ٢: ٧)

صلاة

نشكرك يا ربنا لأن المسيح هو حكمة الله. وهو الذي يُشْركنا في صفاته. وبهذا يخلّصنا من غبائنا ومن كبريائنا، ويعلن لنا تنازُل محبة الله. ويعلّمنا أن نتواضع ونحن نحب الله. احفظنا في فرح حضورك دائماً. لكي لا نطلب إلا أن رؤية مجده وكماله في جماعة المؤمنين.

سؤال

٧ – من هم «الكاملون» الذين ذكرهم في الآية ٦؟

(ب) اختبارنا الروحي هو وسيلة إعلان حكمة الله

.١ لأَنَّ ٱلرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ ٱللّٰهِ. ١١ لأَنْ مَنْ مِنَ ٱلنَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ ٱلإِنْسَانِ إِلا رُوحُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي فِيهِ؟ هٰكَذَا أَيْضاً أُمُورُ ٱللّٰهِ لا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلا رُوحُ ٱللّٰهِ. ١٢ وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ١٣ ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، قَارِنِينَ ٱلرُّوحِيَّاتِ بِٱلرُّوحِيَّاتِ. ١٤ وَلٰكِنَّ ٱلإِنْسَانَ ٱلطَّبِيعِيَّ لا يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ ٱللّٰهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً. ١٥ وَأَمَّا ٱلرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لا يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. ١٦ لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ ٱلرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ ٱلْمَسِيحِ.

٣: ١وَأَنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَالٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، ٢ سَقَيْتُكُمْ لَبَناً لا طَعَاماً، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ ٱلآنَ أَيْضاً لا تَسْتَطِيعُونَ، ٣ لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَٱنْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ ٱلْبَشَرِ؟ ٤ لأَنَّهُ مَتَى قَالَ وَاحِدٌ: أَنَا لِبُولُسَ وَآخَرُ: أَنَا لأَبُلُّوسَ أَفَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ؟ (١كورنثوس ٢: ١٠ – ١٦ ، ٣: ١ – ٤)

من الذى يستطيع أن يدرك حكمة الله العظيمة هذه التي كانت مكتومة من قبل، فلم يعلَمْها أحد من فلاسفة هذا العالم، لكن الله أعلنها لنا بروحه؟

يجاوب الرسول بولس على هذا السؤال فيقول: إن هناك ثلاثة أنواع من الاختبارات الروحية. هناك اختبار من يسميه «الإنسان الطبيعي» و هو المولود بعيوبه وخطاياه كما هو، الذي ينطبق عليه القول «هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُّوِرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور ٥١: ٥) هذا الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله، ويعتبر أن الأمور الروحية جهالة، ولا يقدر أن يفهمها. ولذلك نجد الأغلبية المطلقة من البشر لا يفهمون الأمور الروحية، لأن كل واحد منهم إنسان طبيعي مولود من الجسد، لا يستطيع أن يدرك أمور الروح.

ينتقل الرسول بولس بعد ذلك ليتكلم عن نوع آخر من الناس «الإنسان الروحي». وهو بعكس الإنسان الطبيعي تماماً، فهو الذي فتح قلبه لله، و أعطى الروح القدس فرصة السيطرة الكاملة على نفسه و حياته. الإنسان الروحي هو الذي يدرك فكر الرب، لأن له فكر المسيح، ولأن المسيح يسيطر على الإنسان الروحي سيطرة كاملة، وهو الذي لم يأخذ من روح العالم لكن الروح الذي من الله، فأدرك الأشياء الموهوبة له من الله. هذا الإنسان الروحي وحده يقدر أن يدرك حكمة الله الظاهرة في الصليب.

على أن الرسول بولس يتكلم عن نوع ثالث من الناس «الإنسان الجسدي». وهو ليس إنساناً «طبيعياً»، لأنه قبل المسيح في قلبه، وهو ليس إنساناً روحياً لأنه يسلك سبيل الجسد، سبيل الطفولة الروحية. فتح قلبه للمسيح، لكنه لم يعط المسيح القيادة الكاملة في حياته. ولذلك يتخبط كطفل. لم يستطع الرسول أن يطعم هؤلاء الجسديين الطعام الدسم. واكتفى بأن يسقيهم اللبن، تماماً كالأطفال. أما البرهان أنهم جسديون و ليسوا روحيين، فإن بينهم حسداً وخصاماً وانشقاقاً. ولذلك يسلكون حسب البشر. قال واحد منهم: أنا لبولس، وقال آخر: أنا لأبلوس. ولذلك برهنوا جميعاً أنهم جسديون.

عزيزي القارئ، هل أنت إنسان «طبيعي» وُلدت الولادة الجسدية فقط، لكنك لم تولد من الله؟ ليتك تفتح قلبك لله لتصير إنساناً روحياً يمتلك الله قلبك. كيف يمكن أن تصبح إنساناً روحياً؟ يقول البشير يوحنا في الأصحاح الأول من إنجيله: «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون بالمسيح». هم الذين قبلوا المسيح. هل قبلت المسيح؟

افتح قلبك له لينقلك من حالة الإنسان الطبيعي، وليجعل منك إنساناً روحياً. إنْ كنت قد فتحت قلبك للمسيح، ولكنك لا تزال تحيا الحياة المنخفضة، فإن الله يدعوك لترتفع إلى حالة أعلى، لتصير مؤمناً روحياً يقود المسيح حياتك. هل في قلبك حسدٌ لأحد؟ هل تحقد على أحد؟ هل هناك عصيان داخلك على مبدأ من مبادئ المسيح؟ الله يدعوك لتسلم حياتك له فتصبح إنساناً روحياً تُرضي الله.

عندما تنتقل من حالة الإنسان الطبيعي الى حالة الإنسان الروحي، يمكن أن تدرك قوة الصليب وعظمته، وتكتشف أنه بالنسبة لك حكمة الله وقوة الله.

آية للحفظ

«وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ٢: ١٢)

صلاة

أبانا السماوي نشكرك لأنك نقلتنا إلى صفوف الروحيين. نصلي أن تنقل الناس من حالة الإنسان الطبيعي، الذي لا يقبل ما لروح الله، لتجعل منهم روحيين مولودين من الله ثابتين في المسيح. ربنا إن كان هناك شخص جسدي لا يخضع لك، توجد في قلبه خطايا، نصلي أن تفتح قلبه ليعرفك وليعطيك السيطرة الكاملة على حياته. نعم يارب هذا نصليه، فاستجبنا لندرك ونفهم معنى الصليب ومعنى قوة الإنجيل.

سؤال

٨ – أي نوع من الناس يقدر أن يرى في الصليب قوة الله وحكمته؟

You may also like