الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس ٢ – ليس الإنجيل فلسفة أرضية (١ : ١٨ – ٢ : ٥)

٢ – ليس الإنجيل فلسفة أرضية (١ : ١٨ – ٢ : ٥)

ليس الإنجيل في جوهره فلسفة أرضية، لكنه حكمة إلهية سماوية.

ويتضح أن الإنجيل في جوهره ليس فلسفة أرضية من الحقائق الثلاث الآتية:

  1. من طبيعته التى لا يقبلها الفلاسفة في ظاهرها (١٨ – ٢٥)
  2. ومن تركيب كنيسة كورنثوس (٢٦ – ٣١)
  3. ومن الموقف الذي وقفه بولس بين أهل كورنثوس (٢: ١ – ٥)

وهذا ما يشرحه بولس الرسول في هذا الجزء، ليوضح ضرورة وحدة الكنيسة حول كلمة الإنجيل.

(أ) طبيعة الإنجيل لا يقبلها العقليون في ظاهرها

١٨ فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُّوَةُ ٱللّٰهِ، ١٩ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: سَأُبِيدُ حِكْمَةَ ٱلْحُكَمَاءِ وَأَرْفُضُ فَهْمَ ٱلْفُهَمَاءِ. ٢٠ أَيْنَ ٱلْحَكِيمُ؟ أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هٰذَا ٱلدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ ٱللّٰهُ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ؟ ٢١ لأَنَّهُ إِذْ كَانَ ٱلْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ ٱللّٰهِ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ بِٱلْحِكْمَةِ، ٱسْتَحْسَنَ ٱللّٰهُ أَنْ يُخَلِّصَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ ٱلْكِرَازَةِ، ٢٢ لأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، ٢٣ وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! ٢٤ وَأَمَّا لِلْمَدْعُّوِينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ. ٢٥ لأَنَّ جَهَالَةَ ٱللّٰهِ أَحْكَمُ مِنَ ٱلنَّاسِ! وَضَعْفَ ٱللّٰهِ أَقْوَى مِنَ ٱلنَّاسِ!) (١كورنثوس ١: ١٨ – ٢٥)

الكرازة بالمخلص المصلوب ليست دعوة إلى عقول الناس لكنها دعوة إلى قلوبهم، فإن التضحية بالنفس تؤثّر في كل نفس بشرية، و «الجود بالنفس أقصى غاية الجود». ولذلك قال المسيح «وأنا إن ارتفعتُ عن الأرض أجذب إليَّ الجميع».

ولأن الطبيعة البشرية فسدت، صارت كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وهذا يؤيده ما جاء في نبوة إشعياء «فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ وَيَخْتَفِي فَهْمُ فُهَمَائِهِ» (٢٩: ١٤). ويقتبس بولس معنى ما جاء في نبوة إشعياء ١٩: ١١ ، ١٢ و ٣٣: ١٨ فيقول: أين الحكيم؟ أين الكاتب؟ أين مُبَاحث هذا الدهر؟ لقد جهَّل الله حكمة هذا العالم وأظهر حكمته الرائعة في صليب المسيح. إن كل المقدرات الفلسفية لم تنفع الحكماء، لأنهم لم يدركوا الله في حكمته ولا في قداسته ولا في أبّوته ومحبته. انظر الى فلاسفة اليونان وقد امتلأت سماواتهم بأنصاف الآلهة والجبابرة الذين يحاربون بعضهم بعضاً ويخدعون بعضهم بعضاً. وهكذا خدع إبليس هؤلاء المفكرين البارزين، ومنعهم رغم عبقريتهم الفلسفية عن إدراك محبة الله وحقه. من هذا نتعلم أن كل التفكير البشري غير قادر أن يدرك الله في حقيقته، لأن كل تفكيرنا باطل وساقط بسبب الخطية، كما أنه محدود وفاسد. قال أحد المؤمنين: «تشبُّث الإنسان بآرائه وفكره من أكبر عوائق التقدّم الروحي. لقد أمرَنا الإنجيل بالصلاة لا بالمجادلة. أعطني نفساً تعرف كيف تلقي على الله كل منطقها وتفكيرها، وأنا أضمن لك أن هذه النفس تتكمَّل بكل الفضائل وتخلُص».

الإيمان بيسوع المصلوب وحده يقدر أن يخلّصك. إن كل معرفتك لا توصّلك بالله، لأن خطيتك تفصل بينك وبينه. ولكن الله لا يهلكك من أجل تفكيرك الخاطئ بل يخلّصك لأجل محبته، ويجدد قلبك بعمل روحه، لأن رحمته الإلهية التي تجسدت في يسوع المسيح – الذي وُلد خلافاً لأفكار البشر، وُلد من العذراء القديسة مريم في مذود حقير ومات مرفوضاً ومحتقراً على الصليب – هذه المحبة الإلهية هي التي تفتدينا من جهالتنا ومن قذارتنا ومن مواتنا.

لقد كان اليهود يطلبون معجزة، وكان اليونانيون يطلبون فلسفة وحكمة، فلم يجدوا في الصليب معجزة قوة، لأن المسيح لم ينزل عن الصليب ولم يدافع عن نفسه. واليونانيون لم يستطيعوا أن يروا الحكمة الإلهية من خلف الصليب. لذلك رفضوه. ولكن الذين قبلوا دعوة المسيح – من اليهود ومن اليونانيين – وجدوا في الصليب قوة الله وحكمة الله. رأوا ما لم يره الآخرون في الصليب، فقد استطاعوا أن يصلبوا مع المسيح أهواءهم وشهواتهم، ولم يعودوا يعيشون هم، بل عاش المسيح فيهم. وجدوا أن المسيح هو مصدر القوة، لأنه أنشأ في حياتهم تغييراً كاملاً «وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لا لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (٢كورنثوس ٥: ١٥).

ولقد صار الصليب للذين قبلوه حكمة. فهذه حكمة الله الأسمى من حكمة الناس. فقد رأى الله أن يخلّص البشر بالصليب، فالصليب يكسر كبرياء الناس ويبطل كل محاولاتهم في إصلاح نفوسهم، وينهي الوهم المسيطر بأن الله يبرّر الإنسان لأجل أعماله الصالحة. فمن لا يزال مؤمناً أنه سيربح الفردوس بصلواته وقرابينه وحسناته لم يعرف المسيح حقيقة، فإن الذين يعرفون المسيح يدركون أن غفران خطاياهم و قداسة حياتهم ينبعان من عمله في قلوبهم، وليس نتيجة لأعمال صالحة ولا لتفكير عبقري. والى الآن لا يزال الصليب ظاهراً لكثير من الناس أنه جهالة وغباء، ولكنه في الحقيقة قمة حكمة الله. وأنت مدعو يا عزيزي القارئ لأن تختبر قوة الصليب القادرة أن تخلّصك، لتستطيع أن ترى فيه قوة الله التي تعطيك حياة جديدة، ولترى فيه حكمة الله التي تهيّئ لك طريق الحصول على هذه الحياة الجديدة.

آية للحفظ

«كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُّوَةُ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ١: ١٨)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك لم تشفق على ابنك بل بذلتَه لأجلنا أجمعين. نقف أمامك في خضوع وحب لأن المسيح حمل آثامنا وأجرة خطيتنا. طهِّر قلوبنا وفكرنا من كل خطايانا، واملأنا بروحك القدوس لنحبك دائماً، ولنبتعد عن جهالة العالم. افتح عيوننا لحقيقة محبتك واقبل سجودنا وشكرنا من أجل المسيح مخلصنا.

سؤال

٤ – مامعنى أن صليب المسيح هو قوة الله وحكمة الله؟

You may also like