الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس تفسير إنجيل متى – الإصحاح ٤ (القس ديفيد كوزيك)

تفسير إنجيل متى – الإصحاح ٤ (القس ديفيد كوزيك)

بواسطة Mousa
94 الآراء

تجربة يسوع وخدمته الأولى في الجليل

أولًا. يسوع يُجَرَّب في البرية.

أ )  الآيات (١-٢): يسوع يُقاد إلى مكان التجربة.

١ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. ٢فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا.١.  ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ: بعد الاتحاد بالاشرار في معموديته، اتحدَّ يسوع معهم مجددًا في تجربة شديدة. وكان هذا جزءًا ضروريًا من خدمته، لذلك أصعده الروح ليُجَرَّبَ فِي البرية.

·      لقد كان تباينًا ملحوظًا بين المجد الذي أعقبَ معمودية يسوع، والتحدي بأن يُجَرَّب مِنْ إِبْلِيسَ.

ü     آنذاك مياه الأردن الباردة، أما الآن فالبرية القاحلة.

ü     آنذاك الحشود الضخمة، أما الآن فالعزلة والصمت.

ü     آنذاك ينزل الروح كحمامة، أما الآن يقوده الروح إلى البرية.

ü     آنذاك صوت الآب الذي يدعوه “الابن الحبيب،” أما الآن فهمسة الشيطان المُجرَّب.

ü     آنذاك ممسوحٌ، أما الآن فمُهاجَمٌ.

ü     آنذاك ماء المعمودية، أما الآن فنار التجربة.

ü     في البداية فتحت السماوات، أما الآن فالجحيم.

·      لم يكن يسوع بحاجة لأن يُجرَّب لمساعدته على النمو. فهو بالحري، قد تحمل التجربة لأمرين: حتى يتحد معنا (عبرانيين  ١٨:٢و ١٥:٤)، ولإظهار شخصه المقدس الذي بلا خطيئة.

·      لا يمكن للروح القدس أن يجربنا (يعقوب ١٣:١)، لكن الروح القدس قد يقودنا إلى مكان لنُجرَّبَ فيه. وهذا ليس لإثبات شيء لله – الذي يعرف كل شيء – ولكن لإثبات شيء لنا وللكائنات الروحية التي تراقبنا.

٢.  لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ: إن التجربة لابد منها لجميعنا. ومع ذلك، كانت تجربة يسوع أشد وطأة. فكان الأمر أكثر شدة لأنه كان يُجرَّب مباشرة من قبل إِبْلِيسَ نفسه، بينما نشتبك نحن بشكل أساسي ضد شياطين أقل مرتبةً. فكان الأمر أيضًا أكثر شدة، لأن بالنسبة لنا تهدأ التجربة عندما نستسلم لها، أما يسوع فلم يرضخ قط. لذلك فهو قد تحمَّل مستويات من التجربة لن ندركها نحن أبدًا من خلال الخبرة العملية.

·      يعتقد العديد من المفسرين أنه من غير المناسب الإشارة إلى هذا القسم على أنه ’تجربة أو إغراء يسوع،‘ إذ أن الكلمة “بيرازو peirazo” يتم ترجمتها في كثير من الأحيان وبدقة أكثر إلى “اختبار testing” بدلًا من ’تجربة أو إغراء.‘ “إن كلمة “بيرازين Peirazein” لها دلالة مختلفة تمامًا في معناها. فهي تعني ’اختبار‘ أكثر بكثير مما تعني “إغراء أو تجربة” بمفهومنا للكلمة.” باركلي (Barclay)

·      “قد أصاب لوثر في ملاحظته في أن الصلاة والتأمل والتجربة، هي أفضل ثلاثة مدربين لخُدام الإنجيل.” سبيرجن (Spurgeon)

٣.  فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا: يشير متى إلى كل من الصحراء القاحلة (كانت برية يهوذا وما تزال كذلك)، وحالة يسوع الجسدية القاسية بعد هذا الصيام الطويل. ويقال أنه عندما يأتي ألم الجوع بعد صيام كهذا (جَاعَ أَخِيرًا)، فإن الأمر يدل على بداية التضور جوعًا حتى الموت.

·      “شوهدت هنا القوة الإلهية بطريقة عجيبة، في دعم الطبيعة الإنسانية للمسيح، في عدم وجود أي شيء للأكل: لقد كانت هذه معجزة.” بوول (Poole). وتُعد أيضًا معجزة واضحة في حياة موسى (خروج ٢٨:٣٤)، وإيليا (ملوك الأول ٨:١٩). لقد كانت خارقة للطبيعة، ولكن ليس خارج نطاق القدرة البشرية عند تمكينها بروح الله.

٤.  أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً: هذه فترة مألوفة للاختبار في الكتاب المقدس، سواء في أيام نوح أو لإسرائيل في البرية. وهكذا ينجح يسوع حيث فشلت إسرائيل كأمة.

·      “كان مخلصنا يُجرَّب خلال كل هذه الفترة الزمنية من الأيام الأربعين، كما يقول القديس لوقا؛ ولكن هذه الهجمات الثلاث الأسوأ كانت محفوظة للنهاية.” جون تراب (John Trapp)

·      لم يكن هذا إنكارًا للذات فقط من أجل إنكار الذات، أو ما هو أسوأ من أجل تعزيز الكبرياء الروحية. لقد كانت هذه فترة الاعتماد الإرادي على الله الآب. نتذكر الآية: “مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ.” (عبرانيين ٨:٥).

ب)  الآيات (٣-٤): التجربة الأولى: شهوة الجسد.

٣فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا». ٤فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ».١.  فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ: لاحظ أن متى يكتب “فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ.” لا يتعلق الأمر بالنسبة لنا بما إذا كان “المجرب سيأتي،” لكنه يتعلق بـ “متى سيأتي.” سنواجه التجربة حتى نذهب إلى المجد.

·      “لكن دعونا نفعل ما نريد، ستتم تجربتنا لا محالة؛ فالله له ابن واحد بلا خطية، لكن الله ليس له قط ابنًا غير مُجَرَّب.” سبيرجن (Spurgeon)

·      يجب أن نتأمل في الظروف التي سبقت تجربة يسوع.

ü     لقد كان في حالة ذهنية مكرسة بطريقة خاصة قبل تجربته.

ü     لقد مارس فعل طاعة جهارًا لإرادة أبيه قبل تجربته.

ü     لقد كان في حالة ذهنية من الإتضاع الاستثنائي قبل تجربته.

ü     لقد كان مباركًا من أبيه السماوي من خلال توكيد بأنه ابن الله، قبل تجربته.

ü     لقد كان مملوئًا بالروح القدس قبل تجربته.

ü     لقد كان منفصلًا تمامًا عن العالم قبل تجربته.

٢.  إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ: إن السؤال الذي طرحه الشيطان بأكثر حرفية هو: “لأنك ابْنَ اللهِ” بدلًا من “إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ.” فلم يشكك الشيطان في إلوهية يسوع؛ بل لقد تحداه لإثباتها أو لإظهارها من خلال أعمال معجزية.

٣.  فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا: لقد كان هدف هذه التجربة هو استخدام مواهب الله لأغراض أنانية. فاقترح الشيطان أن يستخدم يسوع قدراته المعجزية لتوفير الغذاء لنفسه.

·      “من المؤكد أن إشارة إبليس إلى أنه ابن الله الحي، يعني أن يسوع لديه القوة والحق في تلبية احتياجاته الخاصة.” كارسون (Carson)

·      لم تكن هذه تجربة لصُنع ثروات فاخرة أو سعة عيش  مُترفة، من خلال عمل إعجازي، بل هدفها فقط القليل من الخبز. ويحتوي الكتاب المقدس على العديد من الروايات عن تسديد الاحتياج بطريقة معجزية، وبعضها كان على يد يسوع. ومع ذلك، فيسوع لم يأمر أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا، خاصةً لأن هذا كان تحريضًا من الشيطان.

·      قد نقول أن يسوع كان يُجّرَّب في نقاط قوته، ومن خلال مواهبه؛ فهل سيَسْمحَ لنقاط قوته أن تصبح بمثابة أشراكًا؟ “كان يَعرضُ على الرب أن يثبت بنوته للآب من خلال خلق الطعام لنفسه؛ ومع ذلك، كان من شأن هذه الطريقة لتكون الأكيدة لإثبات أنه لم يكن ابن الله.” سبيرجن (Spurgeon). ويمكننا أن نقول أن التجربة نفسها قُدِمت ليسوع على الصليب (متى ٤٠:٢٧).

٤.  فَأَجَابَ: لم يعارض يسوعُ الشيطانَ بصمت، بل أَجَابَهُ، قد أجابه من كلمة الله. فعندما اقتبس يسوع من سفر التثنية ٣:٨، أظهر أن كل كلمة تَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يجب أن تكون لدينا أثمنَ من الطعام نفسه.

·      ما اقترحه الشيطان كان منطقيًا؛ “لماذا تتضور جوعًا حتى الموت؟” ولكن ما هو مَكْتُوبٌ هو أكثر منطقية.

·      “يمثل الجوع رغبات إنسانية، فكان السؤال: هل تعني البنوة الإعفاء من هذه الرغبات، أم قبولها كجزء من تجربة المسيح.” بروس (Bruce)

·      لم يكن الأمر أن يسوع قد رفض مساعدة خارقة للطبيعة في إطعام نفسه؛ فقد كان أكثر من سعيد بتناول ما جلبته إليه الملائكة عندما انتهى وقت الاختبار (متى ١١:٤). فلم يكن الأمر يتعلق برفض المساعدة الخارقة للطبيعة؛ بل كان الأمر متعلقًا بالخضوع لتوقيت أبيه وإرادته في كل شيء.

٥.  مَكْتُوبٌ: بالاعتماد على قوة وحقيقة كلمة الله، كان يسوع مستعدًا لخوض هذه المعركة كإنسان؛ كان يمكن أن يوبخ الشيطان بسهولة في مجرة ​​أخرى، لكنه قاومه بطريقة يمكننا تقليدها والاتحاد بها.

·      استخدم يسوع الكلمة المقدسة لمحاربة إغراء الشيطان، وليس قدرة روحية معقدة يتعذر علينا الوصول إليها. فقد خاض يسوع هذه المعركة كإنسان كامل، ولم يعتمد على ’موارد خاصة‘ غير متوفرة لدينا. “كان سلاح الروح مُشهرًا، فربنا لن يحارب بأي سلاح آخر. كان من الممكن أن يتكلم بوحي جديد، لكنه اختار أن يستخدم ’المكتوب.‘ سبيرجن (Spurgeon)

·      كان يمكن أن يقف ضد الشيطان في استعراض لمجده؛ كان يمكن أن يقف ضد الشيطان بالمنطق وبالعقل. ولكن بدلًا من ذلك، استخدم يسوع كلمة الله كسلاح ضد الشيطان وإغرائه.

ü     استخدم سلاحًا يمكن للمرء استخدامه عندما يكون وحيدًا.

ü     استخدم سلاحًا للدفاع عن بنوته.

ü     استخدم سلاحًا لهزيمة التجربة.

ü     استخدم سلاحًا فعالًا لأنه قد فهم ذلك السلاح.

·      يمكننا مقاومة التجربة بنفس الطريقة التي فعلها يسوع: من خلال التصدي لأكاذيب الشيطان المغرية من خلال تسليط ضوء حق الله عليها. فإن كنا نجهل حق الله، إذًا نحن مسلحون بشكل ضعيف في الحرب ضد التجربة.

ج) الآيات (٥-٧): التجربة الثانية: تعظم المعيشة.

٥ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، ٦وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». ٧قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ».١.  إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ: لقد أغرى الشيطانُ يسوعَ لكي ’يُجبرَ‘ الآب على صُنع حدث خارق للطبيعة. لقد احتكمَ الشيطانُ إلى الرغبة داخل كل إنسان في التماس الموافقة من الله، ومن ثمَّ إظهار تلك الموافقة علنًا.

·      وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ: يرتفع جَنَاحِ الْهَيْكَلِ حوالي ٢٠٠ قدم من سطح وادي قدرون. قفزة واحدة من هناك، وظهور الحماية الملائكية الموعودة، سيكون مشهدًا مذهلًا.

·      “كانت اقتراحات الشيطان حول أزمة مصطنعة، وليس الثقة بالله في المواقف التي تنجم عن خدمة مطيعة.” فرانس (France)

·      “كانت هذه هي الطريقة ذاتها التي يعِدُ بها المُسحاء الكذبة، الذين كانوا يظهرون باستمرار. لقد قدم هؤلاء المُدّعون وعودًا لم يتمكنوا من الوفاء بها. لكن يسوع كان يستطيع أن يقوم بأي شيء قد وعد به. فلماذا لم يفعل ذلك؟” باركلي (Barclay)

·      لقد اختبر يسوع للتو هذا النوع من الإظهارات المذهلة أثناء معموديته (متى ١٧:٣)، لكن لابد أن هذا كان يبدو بعيدًا جدًا بعد أربعين يومًا وليلة من الصوم في البرية.

٢.  لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: يمكن للشيطان استخدام هذه العبارة أيضًا. ويمكننا أن نثق في أن الشيطان قد حفِظ الكتاب المقدس عن ظهر قلب، وهو خبير في الاقتباس منه خارج سياق القرينة لتشويش وهزيمة من يجربهم. وقد استشهد الشيطان هنا بمزمور ١١:٩١-١٢، وأخرجه من سياق قرينته ليقول، “هلُمَّ يا يسوع؛ إذا قمت بذلك، فإن الكتاب المقدس يعِدُ بأن الملائكة ستنقذك، وسيكون ذلك بمثابة إعلاء ذاتي مذهل لشأنك.”

·      “لقد استعار الشيطان سلاح ربنا، وقال: ’مكتوبٌ‘؛ لكنه لم يستخدم السيف بشكل قانوني. فلم يكن في طبيعة الشرير الكاذب أن يقتبس بشكل صحيح. لقد اقتطع الكلمات الجوهرية ’فِي كُلِّ طُرُقِكَ،‘ وهكذا جعل الوعد يقول ما لم يقصده في الحقيقة.” سبيرجن (Spurgeon)

ü     هذا النص مقتبسٌ على نحو زائف، لأن الشيطان استبعد الكلمات “لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ.” ولم يكن من طبيعة يسوع تجربة الله بهذه الطريقة؛ ولم تكن طبيعة المخلص أو المسيا. “لم يعد الله أبدًا، ولم يمنح قط، أيَ حماية من الملائكة في ظل طرق شريرة ومحظورة.” بوول (Poole)

ü     إن هذا النص مُطبق  بإجحاف، لأنه لم يستخدم للتعليم أو التشجيع، بل بالحرى من أجل الخداع. “جاعلًا هذه الكلمة وعدًا يجب الوفاء به عند إهمال المسيح لمهمته؛ وباسطًا الوعد بالعناية الإلهية الخاصة في المخاطر التي يلقي فيها البشر بأنفسهم طواعية.” بوول (Poole)

·      لقد فهِم يسوع من خلال معرفته لكامل مشورة الله (أعمال الرسل ٢٧:٢٠) أن الشيطان كان يلوي الحق الموجود في مزمور ٩١. لقد كان يسوع يعرف كيف يُفصل كلمة الحق باستقامة (تيموثاوس الثانية ١٥:٢). وللأسف، كثيرون على استعداد لتصديق أي شخص يقتبس من الكتاب المقدس اليوم. فيستطيع الواعظ أن يقول كل ما يريده إذا كان يقتبس بعض النصوص المنعزلة عن النص، وسوف يفترض الناس أنه يتحدث بالفعل من الكتاب المقدس. فمن المهم أن يعرف كل المؤمنين الكتاب المقدس بأنفسهم، وأن لا يخدعهم شخص يقتبس الكتاب المقدس بلا دقة أو بلا تطبيق سليم.

٣. مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ: لقد أجاب يسوع بالكتاب المقدس، ولكنه طبق النص بشكل صحيح. فكان يعلم أن محاولة إجبار الله الآب أو التلاعب به في مثل هذا الإظهار من شأنه أن يُجرب الله، وهو ما يمنعه الكتاب المقدس بشدة.

·      إن هذا يحذرنا من المطالبة بشيء مذهل من الله لإثبات حبه أو اهتمامه بنا. فقد قدم بالفعل الإظهار المُطلق لحبه لنا على الصليب رومية ٨:٥)، ولا يمكنه فعل شيء “مذهل” أكثر من ذلك.

·      يأتي التركيز مرة أخرى على علاقته بالله. وكونه ابن لله، يمكنه بالتأكيد أن يُطالب بثقة مطلقة بالحمايةَ الجسدية التي وعد بها الله في مزمور ١١:٩١-١٢. فلا يمكن لابن الله إلا أن يعيش في علاقة ثقة، تلك التي لا تحتاج إلى اختبار.” فرانس (France)

د )  الآيات (٨-١٠): التجربة الثالثة: شهوة العيون

٨ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، ٩وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». ١٠حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».١.  أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا: جوهريًا، جعلت هذه الرؤية منظر الصليب يتجلى أمام يسوع. فقد جاء يسوع ليستعيد جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا مرة أخرى من سُلطان الشيطان، وها هو الشيطان يعرضهم على يسوع، فقط إن خرَّ يسوع وسجد له.

·      مرة أخرى قد يبدو ذلك شيئًا ضئيلًا؛ فيستطيع يسوع أن يُطالب بحقه في جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، ويفعل ذلك دون تحَمُل الصليب. “يكون الخطر أكبر عندما تكون النهاية عظيمة.” بروس (Bruce)

·      كل ما كان عليه فعله هو أن يعطي الشيطان ما كان يتوق إليه منذ أن سقط من الأمجاد إلى الأسافل: ألا وهو العبادة والتقدير من الله ذاته. وهذه نظرة ثاقبة على قلب الشيطان. فإن العبادة والتقدير بالنسبة له هي أغلى بكثير من حيازة مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا. فهو ما زال الشخص الذي قال “أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ.” (إشعياء ١٣:١٤-١٤).

·      “إذا أُخِذَت عبارة ’جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ‘ بالمعنى الحرفي، فلابد أن ذلك كان مشهدًا في رؤية، لأن أعلى جبل على وجه الكرة الأرضية لا يمكن أن يكون كافيًا لكشف حتى نصف الكرة الأرضية، والآخر لابد وأن يكون بالضرورة في الظلام.” كلارك (Clarke)

·      إذا لم يكن بإمكاننا أن نقول بالضبط كيف أظهر الشيطان ذلك ليسوع، يمكننا أن نقول بشيء من اليقين ما لم يظهره الشيطان ليسوع: “إن الشيطان يقدم ممالك العالم وروعتها دون إظهار خطيئتها.” كارسون (Carson)

٢.  أُعْطِيكَ: من الواضح أن الشيطان له سلطة على هذا العالم وحكوماته. فلا يمكن أن يكون الإغراء حقيقيًا إلا إذا كان هناك معنى حقيقي بأن الشيطان “يمتلك” جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا.

·      أعطى آدم وذريته الشيطانَ هذه السلطة. فالله أعطى آدم الأرض كوكيل عليها (تكوين ٢٨:١-٣٠)، ولكن آدم سلمها عن طيب خاطر إلى الشيطان. وبعد ذلك، أدلى كل نسل آدم بتصويتهم بالموافقة على ذلك التسليم، كلٌ عن طريق خطيته الشخصية.

·      بالطبع، في نهاية المطاف، كل شيء يخص الله؛ لكن الله يسمح للشيطان بأن يعمل كإله لهذا العالم (كورنثوس الثانية ٤:٤) لغرض معين. وهذا هو السبب في أن العالم الساقط في حالة من الفوضى.

·      “لا يجرؤ المُجرِب على ذكر البنُوة في هذه الحالة؛ إذ من شأن ذلك أن يجعل من تجربة التجديف على الله مكشوفة للغاية. فلا يمكن لابن الله أن يعبد الشيطان.” سبيرجن (Spurgeon)

٣.  اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أجاب يسوع مستخدمة الكلمة المقدسة مرة أخرى، وأمر الشيطان بالمغادرة. وبالطريقة ذاتها يمكننا مقاومة الشيطان وسيهرب منك (يعقوب ٧:٤). لقد نجح الامر مع يسوع (ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ)؛ وسينجح الأمر معنا.

·      “كلمة الله لها قوة ذاتية لقمع وإبطال إغراءات الشيطان، أفضل بكثير من ذلك الخنجر الخشبي، ومن السيف الكليل الذى للبابويين، ومن مياههم المقدّسة، ومن تهجيناتهم، وطبائعهم، وآثارهم المُتسّخة. إنها ليست علامة صليب، ولكن كلمة الصليب هي التي تُطيح بالشيطان.” تراب (Trapp)

·      وتُذكرنا إغراءات التجارب التي تعرض لها يسوع بأنه ليس من الخطيئة أن يتم إغراءنا، طالما أن الإغراء يتم مقاومته. حتى الإغراءات الفظيعة – فقد تم إغراء يسوع بأن يعبد الشيطان – ليست في حد ذاتها خطيئة إذا تم مقاومتها.

هـ )  الآية (١١): الشيطان يذهب وتأتي الملائكة إلى يسوع.

١١ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ.١.  ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ: تعني العبارة أن يسوع قد انتصر. لقد انتصر لأنه كان يُدرك طريقة هجوم الشيطان: ألا وهي الأكاذيب والخداع. ففي المقام الأول، الشيطان هو مخادع، وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في نور الصليب، فإن الخداع هو أداته الوحيدة، لأن القوى الشيطانية قد جُردت على الصليب من أسلحتهم “الحقيقية” وقوتهم (كولوسي ١٥:٢). ولكن الخداع فعال للغاية في دفعنا إلى الخطيئة، وفي التسبب في أن نعيش حياةَ خوفٍ وعدمِ إيمانٍ.

·      لقد أظهر يسوع الهجوم المضاد الوحيد في فاعليته ضد الخداع: الحق الإلهي، وليس الحكمة البشرية. أولًا، يجب أن نرى التجربة على حقيقتها: إنها كِذْبة. ثم، يجب علينا مقاومة التجربة بكلمة الله. ثم، يجب أن نبني أنفسنا دائمًا في الحق، حافظين إياه في قلوبنا.

·      تأتي كل المقاطع الكتابية التي استشهد بها يسوع للشيطان في هذا القسم من الإصحاحين السادس والثامن من سفر التثنية. فليس من غير المعقول أن نفترض أن يسوع كان يتأمل في تلك المقاطع ذاتها، وقد قاوم الشيطان بالخبز الطازج الذي كان قد تغذى عليه للتو. ويجب علينا أن نتأكد من أننا نمتلك دائمًا بعض الخبز الطازج للرد به على الشيطان.

·      “تجدر الإشارة إلى أن جميع المقاطع الكتابية التي استشهد بها ربنا هي من سفر التثنية، السفر الذي تعرض لهجوم شديد من قبل النقاد المُخربين. وهكذا وضع ربنا شرفًا خاصًا على ذلك الجزء من العهد القديم، حيث رأى ربنا بأنه سوف يتعرض لهجوم الأكثر. ولقد أثبتت السنوات القليلة الماضية أن الشيطان لا يحب سفر التثنية؛ فمن السار له أن يثأر لنفسه من الجروح التي سببها له ذلك السفر في هذه الواقعة التي لا تنسى.” سبيرجن (Spurgeon)

·      رأى يسوع أن هذا أمر جوهري لنا أن نعرفه؛ كان بإمكانه أن يُخبر كتّاب الإنجيل فقط ماذا حدث عندما جُرَّب في برية يهوذا. ولكن نحن بحاجة إلى أن نتعلم من هذا: أن نتعلم بالحري كيف يمكننا التغلب على التجربة، ولكن الأهم من ذلك أن نتعلم بالحري كيف تغلب يسوع على التجربة نيابة عنا وانتصر كإبن الله المعصوم من الخطية، حيث فشل آدم وموسى وكل الآخرين.

٢. وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ: لا يتخلى الله أبدًا عن الذين يتحملون التجربة. وكما جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ فَصَارَتْ تَخْدِم يسوع، سيخلق الله وسيلة لخدمتنا وتسديد احتياجاتنا أثناء تحمُلنا للتجربة.

·      “إن المساعدة الملائكية الموجودة في مزمور ١١:٩١، والتي رفض يسوع أن يطلبها بطريقة غير مشروعة، ها هي تُعطى الآن بشكل مناسب. وكلمة ’تَخْدِمُهُ‘ توحي بالتحديد بمعنى توفير الطعام، ومرة ​​أخرى، يبدو أن اختبار إيليا يستدعى إلى أذهاننا (ملوك الأول ٥:١٩-٨).” فرانس (France)

·      “ربما لم تحضر هذه الكائنات المقدسة إلى الساحة أثناء خوض المعركة، خشية أن يبدو الأمر وكأنهم يقاسِمون يسوع شرف وحفاوة النصر؛ ولكن عندما انتهت المبارزة، سارعوا بإحضار الطعام لجسد الملك الظافر، والراحة لذهنه.” سبيرجن (Spurgeon)

ثانيًا. خدمة الأولى ليسوع في الجليل.

أ )  الآيات (١٢-١٦): تحقيق النبوءة: يسوع يُضيء على منطقة الجليل.

١٢وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ، انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. ١٣وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ، ١٤لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: ١٥«أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ، طَرِيقُ الْبَحْرِ، عَبْرُ الأُرْدُنِّ، جَلِيلُ الأُمَمِ. ١٦الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ».١.  وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ، انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ: تشير الآيات في إنجيل يوحنا ٢٢:٣ و ١:٤-٢ إلى أن الخدمة الأولى التي قام بها يسوع مع تلاميذه كانت بمثابة خدمة تعميد في الأردن. وفي وقت ما بعد ذلك، وبعد القبض على يوحنا المعمدان، ذهب يسوع إلى الجليل لبدء خدمته المتجولة في تلك المنطقة.

·      يسجل إنجيل يوحنا في (يوحنا ١٩:١– ١٢:٢) خدمة مبكرة في الجليل وفي اليهودية قبل ذهاب يسوع إلى الجليل كما هو مذكور هنا. وتضمنت خدمة يهوذا المبكرة هذه دعوة التلاميذ، والعُرس في قانا (في الجليل)، وأول تطهير للهيكل، تبعه مقابلته مع نيقوديموس (في اليهودية). ثم يخبرنا يوحنا بما حدث عندما سافر يسوع شمالًا إلى الجليل عبر السامرة، وكيف التقى بالمرأة السامرية عند بئر.

·      كان سجن يوحنا هو الذي استحَّثَ ذلك. “الجليل كان ربعًا يخُص هيرودس، الذي سجن يوحنا. وفي تلك المنطقة، ذهب ربنا ليواصل خدمة الرجل الصامت. وهكذا كان ولا يزال كذلك. فالشر قد يسكت صوتًا، لكنه لا يمكن أن يمنع إعلان الكلمة. فإذا تم سجن يوحنا، فإن يسوع يتولى الرسالة.” مورجان (Morgan)

٢.  انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ: كانت منطقة الجليل منطقة خصبة وتقدمية مكتظة بالسكان. ووفقًا لحسابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس، كان هناك حوالي ثلاثة ملايين شخص يقطنون الجليل.

·      في منطقة تبلغ مساحتها حوالي ٦٠ في ٣٠ ميلًا، يقول يوسيفوس إن هناك حوالي ٢٠٤ قرية لا يبلغ عدد الأفراد في ​​أي منها أقل من ١٥.٠٠٠ شخصًا. وهذا يعني وجود أكثر من ثلاثة ملايين نسمة في المنطقة.

·      كان الجليل مكتظًا بالأمميين، ولكن مع وجود عدد كبير من المدن والمواطنين اليهود. وكان يعرف الجليل أيضًا كمنطقة خصبة جدًا. فقد استغلت العديد من المزارع الناجحة التربةَ الجيدةَ.

٣.  تَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ: هذا لأن الناس رفضوا يسوع في مسقط رأسه (لوقا ١٦:٤-٣٠). فكان هناك مغزى في الأمر أن يسوع جعل بيته في كفرناحوم وليس في الناصرة.

·      ربما كان متى مهتمًا بشكل خاص بكفرناحوم لأنه كان المكان حيث عاش فيه هو نفسه (متى ١:٩-٩). وكان لبطرس أيضًا منزلًا في كفرناحوم (متى ١٤:٨؛ مرقس ٢٩:١ و١:٢).

·      مع أنه قد تَرَكَ النَّاصِرَةَ، لم يذهب يسوع إلى أورشليم أو اليهودية للعيش وجَعْل بيته فيهما. فيبدو أن الذهاب إلى أورشليم هو تخطيط مهني أكثر ذكاءً للمسيا، لهذا سَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ. “إن هذا الانتقال إلى كفرناحوم لم يتم ملاحظته حرفيًا في الأناجيل الأخرى، ولكن تظهر كفرناحوم في جميع الأناجيل الإزائية كالمركز الرئيسي لخدمة المسيح في الجليل.” بروس (Bruce)

  • “هنا سكن في منزل، إما تركه أحدهم أو أعاره له أحدهم؛ حيث لم يكن لديه مكان لكي يسند رأسه (متى ٢٠:٨). وهنا دفع الضريبة كمُقيم؛ وهناك ناء بنفسه ليستريح عندما كان متعبًا.” تراب (Trapp)

٤.  لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: كما هي العادة، يرى متى أن خدمة يسوع في الجليل هي بمثابة تتميم للنبوة. فالنور جاء إلى هذه المنطقة التي يسكنها كثيرٌ من الأمم، وقد تنبأ إشعياء ١:٩-٢ بهذا عن خدمة المسيا.

·      “في الجليل المحتقر، المكان الذي يعيش فيه الناس في الظلام (أي بدون المزايا الدينية والعقائدية التي لأورشليم واليهودية)، هنا قد أبرق النور.” كارسون (Carson)

·      “كان جليل الأمم الآن وصفًا أكثر ملاءمة مما كان عليه الحال في زمن إشعياء، حيث أن الحركات المتتالية في الجليل قد جعلت فيه سيادة عددية للأمم، حتى تم تبني سياسة تهويد متعمدَّة من قبل الحكام الحشمونيين، مما أدى إلى تعداد سكاني مختلط تمامًا.” فرانس (France)

ب)  الآية (١٧): وصف عام لرسالة يسوع.

١٧مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ:«تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ».١.  ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ: قد يقول المرء أن هذه هي المهنة الرئيسية ليسوع. فقد شفى وخدم الكثير بطريقة معجزية. ولكن على العموم، يبدو من الإنصاف القول إن يسوع كان كارزًا ومعلمًا يشفي، أكثر مما كان شافيًا قد كرز وعلَّم أيضًا. فهذه هي أولوية خدمة يسوع كما جاء في متى ٢٣:٤.

·      يَكْرِزُ: “الكلمة باللغة اليونانية هي كروسين kerussein، وتعني ’كلمة الملك التي يعلنها أحد رسله.‘ وكلمة كيروكس Kerux هي الكلمة اليونانية المقابلة لرسول (أو المنادي). وكان الرسول هو الشخص الحامل لرسالةٍ من الملك مباشرة.” باركلي (Barclay)

٢.  تُوبُوا: بدأ الإنجيل الذي بشر به يسوع في المكان ذاته الذي بدأ فيه يوحنا الكرازة برسالته المفرحة – بالدعوة إلى التوبة (متى ٢:٣). وفي الواقع، بما أن يسوع قد انتظر حتى وُضِع يوحنا في السجن (متى ١٢:٤)، فمن المحتمل أنه رأى نفسه يُكمِل من حيث انتهى يوحنا. ولكن يسوع كان ليذهب إلى أبعد مما فعل يوحنا، لأن يوحنا أعلن مجيء المسيا، ويسوع هو المسيا.

٣.  لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ: بعض الناس يميزون بشدة بين مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وملكوت الله. وفي الواقع، يبدو أنه لا يوجد فرق على الإطلاق، لا سيما في ضوء العُرف اليهودي المتمثل في عدم التفوه باسم الله مباشرة في كثير من الأحيان، بل بالإشارة إليه بالمكان الذي يعيش فيه، وهو السماء، ذلك العُرف الذي غالبًا ما يوظفه متى اليهودي الذي يكتب لليهود.

ج ) الآيات (١٨-٢٢): يسوع يدعو أول أربعة تلاميذ.

١٨وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. ١٩فَقَالَ لَهُمَا: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ». ٢٠فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. ٢١ثُمَّ اجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ: يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ، فِي السَّفِينَةِ مَعَ زَبْدِي أَبِيهِمَا يُصْلِحَانِ شِبَاكَهُمَا، فَدَعَاهُمَا. ٢٢فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا السَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ.١.  أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ… يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ: لم تكن هذه هي المرة الأولى التي قابل فيها يسوع هؤلاء الرجال، وتصف أناجيل أخرى لقاءات سابقة (يوحنا ٣٥:١-٤٢ ولوقا ٣:٥)، ولكنه هنا دعاهم إلى ترك مهنهم وتبعيته بالكامل.

·      “كانت صناعة صيد الأسماك مزدهرة، ولم يكن صيادوها فقراء بالضرورة (كانت أسرة زبدي توظف العمال، مرقس ٢٠:١).” فرانس (France)

·      عادة ما يدعو الله الناس وهم منشغلون بالقيام بشيء ما. فقد دعا يسوع الرسل أثناء قيامهم بإلقاء شباكهم في البحر أو يقومون بإصلاح شباكهم. “لقد كانوا منشغلين في مهنة شرعية عندما دعاهم ليكونوا خُدامًا: ربُنا لا يدعو العاطلين ولكن الصيادين.” سبيرجن (Spurgeon)

ü     كان شاول يبحث عن حمير والده.

ü     كان داود يعتني بغنم أبيه.

ü     كان الرعاة يحرسون قطعانهم.

ü     كان عاموس يزرع في تقوع.

ü     كان متى يعمل كجابي للضرائب.

ü     كان موسى يرعى قطيع حميه.

ü     كان جدعون يَدرس الحنطة.

٢.  هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ: في ذلك اليوم، كان من المعتاد أن يكون للمعلم اليهودي تلاميذ؛ فلم يكن هناك شيء من الابتداع عندما دعا يسوع هؤلاء الرجال أن يكونوا معه باستمرار وأن يتعلموا منه. وفي بعض الجوانب، قدم لهم يسوع تعليمًا تقليديًا عند قدميه كأي معلم يهودي آخر؛ وفي جوانب أخرى، ما قدمه كان مختلفًا تمامًا عن أي تعليم قدمه أي معلم يهودي عادي.

·      “إن عبارة هَلُمَّ وَرَائِي توحي بوجود تلاميذ للمعلم على الفور،  تلاميذٌ يتبعونه حرفيًا لاستيعاب تعاليمه، على الرغم من أن هذا كان بإختيارهم وليس بناءًا على دعوته.” فرانس (France)

·      “ومع ذلك، فقد ذهب يسوع إلى ما هو أبعد من يوحنا، الذي أشار وأعلن فقط عن شخص آخر. وتبِع يسوعُ على الفور هذا الإعلان بالكلمة التي قيلت للأفراد: “هَلُمَّ وَرَائِي” وبالتالي فهو بذلك كان يمارس طبيعة منصبه كملك.” مورجان (Morgan)

٣.  فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ… فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا السَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ: إن الاستجابة الفورية لهؤلاء التلاميذ هي مثال عظيم لنا. ومن ثمَّ فعل التلاميذ الأوائل ما ينبغي أن يفعله جميع تلاميذ يسوع: لقد تبعوه.

·      تبعيتهم ليسوع تعني ترك بعض الأشياء وراءهم. فالمرأة السامرية تركت جرتها، ومتى ترك طاولة الضرائب الخاص به، وبارتيماوس الأعمى ترك رداءه، ليتبعوا كلهم يسوعَ.

د ) الآيات (٢٣-٢٥): وصف لخدمة يسوع في الجليل.

٢٣وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي الشَّعْب. ٢٤فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَجَانِينَ وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ. ٢٥فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْعَشْرِ الْمُدُنِ وَأُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ.١.  يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ: أعطت تقاليد المجمع في ذلك اليوم فرصًا كثيرة ليسوع ليُعلم، لأنهم غالبًا ما كانوا يمنحون الزائر – وخاصة المتميز – فرصة للكلام.

·      “بعد العظة، كان هناك وقتًا للحديث والأسئلة والمناقشة. فكان المجمع هو المكان المثالي الذي يمكن من خلاله تقديم تعليم جديد للناس.” باركلي (Barclay)

٢.  يُعَلِّمُ… يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ: إن الفرق بين التعليم والكرازة يكمن في التركيز والأسلوب، وليس في المحتوى.

  • “الكرازة هي إعلان لا يتزعزع من اليقينيات؛ أما التعليم فهو تفسير لمعنى وأهمية هذه اليقينيات.” باركلي (Barclay)

٣.  كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ: إن قدرة يسوع على شفاء المصابين بجميع أنواع الأمراض المختلفة تدل على أن له السلطان الحقيقي على الضرر الناجم عن سقوط الإنسان. وسلطانه على الشياطين (وَالْمَصْرُوعِينَ – المسكونين بالأرواح الشريرة) يُظهر أن له السُلطة الحقيقية على كل الخليقة.

·      إن هذا هو أول ذكر للمَصْرُوعِينَ في العهد الجديد، ونادرًا ما تم تسجيل هذا المفهوم في العهد القديم (كان شاول مثالًا، إذ كان معذبًا بروح، كما هو مكتوب في سفر صموئيل الأول ١٠:١٨؛ ٩:١٩). ومن الواضح أن هناك سجلًا أكبر بكثير للمَصْرُوعِينَ على صفحات العهد الجديد أكثر من سواء العهد القديم أو في العالم الغربي المعاصر. وقد قدمت العديد من الاقتراحات لهذه الحقيقة:

ü     يعتقد البعض أن الله أباح للشيطان بقدر أكبر أن يصيب الإنسان بهذه الطريقة، لتقديم دليل أكبر على مؤهلات يسوع كالمسيا.

ü     يعتقد البعض أن الله أباح للشيطان بقدر أكبر أن يُلحق الأذى بالإنسان بهذه الطريقة، لتوبيخ الصدوقيين، الذين لم يؤمنوا بالكائنات الخارقة للطبيعة مثل الملائكة والشياطين.

ü     يعتقد البعض أنه لم يكن هناك إباحة بقدر أكبر في تلك الأيام على الإطلاق، وأن هناك القدر ذاته من المصروعين اليوم، على الرغم من أنه غير معترف بالحالة على هذا النحو.

ü     يعتقد البعض أن هناك ببساطة مصروعين أقل بكثير في الثقافات التي كانت وما زالت تحت تأثير الإنجيل لمئات السنين، وأكثر من ذلك بكثير في الثقافات الوثنية و/ أو الثقافات التابعة للمذهب الحياتي animistic.

ü     يعتقد البعض أن الشيطان نفسه غير مهتم باستراتيجية امتلاك شيطان للبشر على نطاق واسع في العالم الغربي المعاصر، لأنه يجد في الخداع والتشكيك الروحي أدوات أكثر فعالية.

٤.  فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ: كان لدى يسوع هدف للسماح لهذه المعجزات المثيرة بجذب جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. فقد أراد أن يعلم الجموع، وليس فقط إدهاشهم بالمعجزات.

·      “إن كل سماح  للمبالغة في أمر ما، ينطوى على انطباع غير عادي.” بروس (Bruce)

·      “انتشرت شهرة السيد المسيح بلا شك بسبب الخير الذي حققه والمعجزات التي صنعها؛ مرة أخرى، كلمة ’كل‘ هنا لا يمكن أن تشير إلا إلى عدد كبير من الأشخاص المتوعكين والذين تأثروا بسبب اعتلال صحتهم الجسدية.” كلارك (Clarke)

·      “تبِعَ الناسُ يسوعَ من كل هذه المناطق. مع أن البعض يقول إن ’التبعية‘ لا تشير بالضرورة إلى التلمذة المتينة. لكنها قد تشير، كما هو الحال هنا، إلى أولئك الذين تبعوا يسوع في وقت معين في خدمته المتجولة، وهكذا كانوا يعتبرون تلاميذ على نحو غير وطيد.” كارسون (Carson)

You may also like