الرئيسية كتبدفاعيات 17-الفصل الثاني: وحدانية الأقانيم في أعمال اللاهوت وتصرفاته

كتاب الله ذاته ونوع وحدانيتة

 وحدانية الأقانيم في أعمال اللاهوت وتصرفاته

عوض سمعان

الفصل الثاني: وحدانية الأقانيم في أعمال اللاهوت وتصرفاته

  1. وحدتهم في إبداع الخليقة: قال الوحي إن اللّه خلقها بالابن (عبرانيين ١: ٢)، وإنها خُلقت بالكلمة (يوحنا ١: ٣)، وبالروح القدس (مزمور ٣٣: ٦)، وإن اللّه (بأقانيمه الثلاثة) قد خلقها (تكوين ١: ١).
  2. وحدتهم في إرسال «الابن»: قال الوحي إن الآب أرسل الابن إلى العالم (يوحنا ٥: ٣٧)، وإن الابن جاء من تلقاء ذاته إليه (١تيموثاوس ١: ١٥)، وإن الروح القدس أرسله (إشعياء ٤٨: ١٦).
  3. وحدتهم في عمل الفداء: قال الوحي إن اللّه بذل ابنه (يوحنا ٣: ١٦). وإن الابن بذل نفسه (يوحنا ١٠: ١١)، وإنه بالروح الأزلي قدم نفسه أو بذلها (عبرانيين ٩: ١٤).
  4. وحدتهم في إقامة المسيح من بين الأموات: قال الوحي إن اللّه أقامه (أعمال ٢: ٢٤)، وإن المسيح قام بنفسه (مرقس ١٦: ٦)، وإن الروح القدس أقامه (رومية ٨: ١١).
  5. وحدتهم في العمل لأجل خلاصنا: قال الوحي إن الآب يجتذب الخطاة إلى المسيح (يوحنا ٦: ٤٤)، وإن المسيح يطهرهم ويجعلهم أهلاً للاقتراب إلى اللّه (١يوحنا ١: ٧)، وإن الروح القدس يسكن فيهم بعد ذلك، ليقدّرهم على السلوك في المستوى السامي الذي يتناسب مع علاقتهم الجديدة باللّه (١بطرس ١: ٢).
  6. وحدتهم في الوجود معنا: قال الوحي إن الابن يوجد مع المؤمنين في كل حين (متى ٢٨: ٢٠)، وإنه والآب يسكنان معهم (يوحنا ١٤: ٢٣)، وإن الروح القدس يحل في قلوبهم ويسكن فيها (١كورنثوس ٦: ١٩).
  7. وحدتهم في إرسال الروح القدس: قال الوحي إن الآب أرسل الروح القدس (يوحنا ١٤: ٢٦)، وإن المسيح أرسله (يوحنا ١٥: ٢٦)، وإن الروح القدس حلَّ من تلقاء ذاته (أعمال ٢: ٢-٤).
  8. وحدتهم في إعلان أحدهم للآخر: قال الوحي إن الآب يعلن الابن للمؤمنين (متى ١٦: ١٧)، وإن الابن يعلن ذاته لهم ويعلن الآب أيضاً لهم (لوقا ١٠: ٢٢، يوحنا ١٤: ٢١)، وإن الروح القدس يأخذ مما للابن ويخبرهم (يوحنا ١٦: ١٤، ١٥)، وبذلك فإنه يعلنه لهم أو يعرّفهم به.ولذلك قيل بالوحي إنه لا يستطيع أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس (١كورنثوس ١٢: ٣)، ولا يستطيع أحد أن يُقبِل إلى الابن إلا إذا اجتذبه الآب أولاً (يوحنا ٦: ٤٤)، ولا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلا بواسطة الابن والروح القدس (يوحنا ١٤: ١٦، ١٧، ١٦: ٨، ٤: ٢٣، ٢٤)، ولا يستطيع أحد أن يتمتع بالروح القدس إلا بواسطة الآب والابن (لوقا ١١: ١١-١٣، يوحنا ١٦: ٧-١٦).
  9. وحدتهم في عمل المعجزات: قال الوحي إن الآب الحال في الابن كان يعملها (يوحنا ١٤: ١٠)، وإن الابن كان يعملها بإرادته الشخصية (متى ٨: ٣)، وإن الروح القدس كان هو العامل في إجرائها (متى١٢: ٢٨).
  10. وحدتهم في جميع الأعمال والأقوال: قال الوحي إنه مهما عمل الآب يعمل الابن أيضاً (يوحنا ٥: ١٧)، وإن الابن لا يعمل من ذاته شيئاً، بل كما يرى الآب يعمل (يوحنا ٥: ١٩)، وإن الآب يحب الابن، ويريه كل شيء (يوحنا ٥: ٢٠)، وإن جميع أمور اللّه يعرفها روح اللّه (١كورنثوس ٢: ١٠، ١١)، كما أنه لا يتكلم من ذاته بل كما يسمع يتكلم (يوحنا ١٦: ١٣-١٥).

وطبعاً إن عدم قيام أقنوم بالعمل مستقلاً عن الأقنومين الآخرين، ليس معناه عجزه عن القيام به بمفرده، بل معناه وحدته الكاملة معهما في القيام به، وذلك لوحدة جوهرهم.

مما تقدم يتضح لنا أن الأقانيم واحد في اللاهوت بكل خصائصه وصفاته، وأنهم مع قيام كل منهم بعمل خاص، متحدون اتحاداً تاماً في جميع الأعمال والتصرفات، ولذلك نلاحظ أن الوحي الإلهي:

  1. يسجّل أسماءهم دون ترتيب يُفهم منه أن لا لأحدهم أسبقية أو أفضلية على الآخر. فبينما يقول مرة: «الآب والابن والروح القدس» جاعلاً الآب أولاً، والابن ثانياً، والروح القدس ثالثاً، يقول مرة أخرى: «نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة اللّه (الآب) وشركة الروح القدس» (٢ كورنثوس ١٣: ١٤). ومرة ثالثة «مُصَلِّينَ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَٱحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ، (الآب) مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (يهوذا ٢٠).
  2. ويذكر أسماءهم مقترنة بعضها بالبعض الآخر، فمثلاً يدعو الروح القدس «روح الابن» (غلاطية ٤: ٦) و «روح المسيح» (رومية ٨: ٩) و «روح الآب» (متى ١٠: ٢٠) و «روح اللّه» (رومية ٨: ٩). فالروح القدس فضلاً عن أقنوميته الخاصة، هو روح اللّه، وهو نفسه روح الابن، وهو نفسه روح الآب، لأن جوهره هو نفس جوهر الأقنومين الآخرين، وهذا الجوهر هو «اللاهوت».
  3. ويعلن أنهم متحدون اتحاداً تاماً في الذاتية، وبالأحرى أنهم واحد فيها، فيقول إن الابن والآب واحد (يوحنا ١٠: ٣٠)، وإن الابن في الآب والآب فيه (يوحنا ١٧: ١٠)، وإن من رأى الابن فقد رأى الآب (يوحنا ١٤: ٩)، وإن الروح القدس كما ذكرنا آنفاً هو «روح الابن» و «روح الآب» و «روح اللّه»، الأمر الذي يدل على أن الأقانيم واحد في الذاتية، أو بتعبير آخر أنهم ذات اللّه الواحد.

وقد علَّق المفسّر لانج على قول المسيح: «أنا والآب واحد» فقال: إن «الوحدة» هنا يُراد بها في الأصل اليوناني «وحدة الجوهر» (Unity of Essence )، وليس الوحدة في القصد فقط. ومما يدل على صدق هذه الحقيقة أن الابن قد أعلن في موضع آخر أن كل ما للآب هو له (يوحنا ١٧: ١٠)، وأن الكرامة التي تُقدم للآب يجب أن تُقدم له أيضاً (يوحنا ٥: ٢٣). وقد أعلن هذه الحقيقة ونبر عليها، على الرغم من نفور اليهود منها ومقاومتهم له بسببها.

والآن إذا كان المراد بالتوحيد في علم الكلام ليس هو الوحدة الشكلية، بل الوحدة الجوهرية، أي الوحدة في الذات (بمعنى نفي الشرك والتركيب عنها)، وفي الصفات (بمعنى نفي التناقض بينها، وعدم وجود شبيه لها)، فهل يبقى شك بعد الإيضاحات السابق ذكرها، في أن الكتاب المقدس يشهد بوحدانية اللّه الجوهرية بأدق الألفاظ والعبارات؟!

إن كون اللّه ثلاثة أقانيم، ليس معناه أنه ذو ثلاثة أشكال، لأن اللّه لا حد ولا جسم له، فهو في ثالوث وحدانيته ووحدانية ثالوثه روح محض، لا يدخل تحت حصر أو شكل. فضلاً عن ذلك فإن كونه ثلاثة أقانيم هو من مستلزمات الكمال المُطلَق الذي يتصف به منذ الأزل الذي لا بدء له، وأنه يتوافق مع وحدانيته وعدم وجود تركيب فيه كل التوافق.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com

You may also like