الرئيسية كتبدفاعيات 1-مقدمة – اللّه ذاتهُ وَنوع وَحدَانيتهِ

1-مقدمة – اللّه ذاتهُ وَنوع وَحدَانيتهِ

بواسطة nancy tharwat
64 الآراء

    اللّه ذاتهُ وَنوع وَحدَانيتهِ

مقدمة 

لا ينبئ الكتاب المقدّس عن وحدانيّة الله فحسب، بل ينبئ أيضاً عن كنه ذاته، التي تسمو فوق العقل والإدراك سموًا لا حد له – فالكتاب المقدّس، لا ينبئ فقط أن اللّه لا شريك له ولا نظير له، وأنه لا أجزاء فيه ولا تركيب، بل ينبئ كذلك أنه ليس أقنوماً واحداً، بل ثلاثة أقانيم. وحقيقة وحدانيّة اللّه وعدم وجود تركيب فيه، يُطلق عليها «التوحيد»، وحقيقة كونه ثلاثة أقانيم، يُطلق عليها «التّثليث».

وقد حاول كثيرون من رجال الفلسفة، توضيح إعلانات الكتاب المقدس عن ذات اللّه، أو بالحري عن ثالوث وحدانيّته، حتى يستطيع الناس فهمها وإدراكها، لكنهم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، لأنهم انحرفوا عن أقواله، واعتمدوا على عقولهم وحدها.

ولما كان اللّه أعزَّ لدينا من كل عزيز في الوجود، عكفتُ – كما عكف ويعكف غيري – على دراسة كتب الفلسفة والدين، لتحقيق الغاية التي كان يسعى رجال الفلسفة إلى تحقيقها. ولكني وجدت بعد بحثٍ وتفكيرٍ داما بضع سنين، أن الإنسان لا يستطيع القيام بهذه المهمة بمجهوده الذاتي. فولّيْت وجهي شطر اللّه، لأنه لا يعرف ذاته وما بها من أسرار سواه، فتفضَّل وأعانني على قدر استطاعتي على تقبُّل المعونة منه. ولذلك فإني أقدم كتابي هذا، على مذبح المحبة والإخلاص له، راجياً أن يرافقه بنعمته، لأجل مجده وخير الراغبين في معرفته.

تمهيد توافق التوحيد مع التثليث

نرى من الواجب، ونحن في فاتحة هذا الكتاب، أن ننبّر على أننا نحن المسيحيين، نؤمن أن لا إله إلا اللّه، وأنه لا تركيب فيه على الإطلاق. فقد قال: «أَنَا ٱلأَّوَلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلا إِلَهَ غَيْرِي» (إشعياء ٤٤: ٦)، وقال أيضاً: «أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلٰهٌ مَعِي» (تثنية ٣٢: ٣٩)، وقال للذين اتخذوا غيره إلهاً «أَلَيْسَ أَنَا ٱلرَّبُّ وَلا إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ» (إشعياء ٤٥: ٢١). ولذلك خاطبه نحميا النبي بالقول: «أَنْتَ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحْدَكَ» (نحميا ٩: ٦).

وقال موسى النبي: «ٱلرَّبَّ هُوَ ٱلإِلٰهُ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ. لَيْسَ سِوَاهُ» (تثنية ٤: ٣٩) وقال أيضاً: «ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤) وقال بولس الرسول: «يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ» (١تيموثاوس ٢: ٥) وقال يعقوب الرسول: «ٱللّٰهَ وَاحِدٌ» (يعقوب ٢: ١٩).

أما عن حقيقة عدم وجود تركيب في اللّه، فإن كل الكتاب المقدس لم ينبّر عليها كما نبّر على حقيقة وحدانيته، وذلك لعدم ظهور خلاف بين الناس من جهتها. إلا أنه وردت به آيات تدل بوضوح على أن اللّه لا تركيب فيه، فقد قال إن «اَللّٰهُ رُوحٌ» (يوحنا ٤: ٢٤)، وإنه «غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ» (كولوسي ١: ١٥) وإنه لا يتحيز بحيّز (مزمور ١٣٩: ٨-١٢). وهذه الصفات تدل على أنه غير مركب، لأن المركّب متحيّز بحيّز، ومن الممكن أن يُدرَك أو يُرى، إذ أنه محدود بحدود الأجزاء المركب منها – هذا وقد أجمعت كل الكتب الدينية على اختلاف مذاهب كتّابها، على أنه «روح سرمدي، غير مركب، أو محدود، أو متغيّر».

وحقيقتا وحدانية اللّه وعدم وجود تركيب فيه، لا تتعارضان مع حقيقة كونه ثلاثة أقانيم، بل تتوافقان معها كل التوافق. وإن كنا سنتحدث عن ذلك بإسهاب في أبواب هذا الكتاب، لكن نرى من الواجب أن نذكر الآن شيئاً على أساس هذا التوافق.

 عوض سمعان

You may also like