الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس ٣ – أسئلة عن العبادات الصحيحة (١كورنثوس ١١: ٢ – ٣٤)

٣ – أسئلة عن العبادات الصحيحة (١كورنثوس ١١: ٢ – ٣٤)

بعد أن تحدث الرسول بولس عن اجتناب العبادة الوثنية يتحدث عن السلوك في المبادئ العامة المسيحية. ويذكر هنا أمرين:

  1. تقاليد العبادة المسيحية (١١: ٢ – ١٦)
  2. طريقة ممارسة عشاء الرب (١١: ١٧ – ٣٤)

يعالج الرسول بولس في هذا الجزء فكرتين عن العبادة المسيحية، الفكرة الأولى يوبخ على ظهور النساء مكشوفات الرؤوس، ويتحدث عن تقاليد العبادة المسيحية (١١ : ٢ – ١٦).

وفي الجزء الثاني من هذا الأصحاح يوبّخ على إساءة ممارسة العشاء الرباني، ويوضح طريقة ممارسته (١١: ١٧ – ٣٤).

(أ) تقاليد العبادة المسيحية

٢ فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ ٱلتَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. ٣ وَلٰكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ. وَرَأْسُ ٱلْمَسِيحِ هُوَ ٱللّٰهُ. ٤ كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. ٥ وَأَمَّا كُلُّ ٱمْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَٱلْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. ٦ إِذِ ٱلْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لا تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِٱلْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ. ٧ فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لا يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ ٱلرَّجُلِ. ٨ لأَنَّ ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ ٱلْمَرْأَةِ، بَلِ ٱلْمَرْأَةُ مِنَ ٱلرَّجُلِ. ٩ وَلأَنَّ ٱلرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَرْأَةِ، بَلِ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجُلِ. ١٠ لِهٰذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ ٱلْمَلائِكَةِ. ١١ غَيْرَ أَنَّ ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ ٱلْمَرْأَةِ، وَلا ٱلْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ ٱلرَّجُلِ فِي ٱلرَّبِّ. ١٢ لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ ٱلرَّجُلِ، هٰكَذَا ٱلرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِٱلْمَرْأَةِ. وَلٰكِنَّ جَمِيعَ ٱلأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ. ١٣ ٱحْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِٱلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى ٱللّٰهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ ١٤ أَمْ لَيْسَتِ ٱلطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ ٱلرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟ ١٥ وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا، لأَنَّ ٱلشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ. ١٦ وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ ٱلْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هٰذِهِ، وَلا لِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ (١كورنثوس ١١: ٢ – ١٦).

في هذا الأصحاح يصحّح الرسول بولس بعض الأخطاء التي وقعت في عبادة كنيسة كورنثوس، فبعض النساء المؤمنات خالفْنَ العادة التي كانت جارية في كورنثوس (ولم تزل جارية في بلاد كثيرة حتى اليوم) وهي أن تغطي المرأة رأسها في الاجتماعات العامة. وكانت تغطية الرأس علامة على الحشمة وعلى خضوع المرأة لزوجها. كانت المرأة في عصر بولس إذا خرجت من بيتها بلا غطاء على رأسها حُسبت بلا حياء وبلا خضوع لزوجها. فلم يكن الرسول بولس يريد للسيدات المسيحيات أن يظهرْنَ في صورة تختلف عن الصورة التي يقبلها المجتمع، ولم يكن يريد استفزازاً للمجتمع حتى يسئ الحكم على المرأة المسيحية. لقد أعطت المسيحية المرأة حرية حقيقية، وأعْلَت من شأنها، وجعلتها مساوية للرجل، فكان أن بعض النساء أخذن هذه الحرية المسيحية وجعلنها جوازاً لكسر تقاليد تغطية الرأس، الأمر الذي ضايق أهل ذلك الزمان. وينادي الرسول بولس بضرورة خضوع الزوجة لزوجها. ويضع في الآية الثالثة مبدأ جوهرياً يعلّمنا شيئاً كثيراً. يقول فيه «ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله». فرأس كل رجل هو المسيح. فالمسيح رأس المؤمنين وهو القائد، وعلى الرجل أن يخضع للمسيح باعتبار أنه قائده. ورأس المرأة هو الرجل، فيلزم من ذلك أن تخضع المرأة التقية لرجلها، وتُظهِر ذلك في ملابسها وسيرتها وكلامها. وليس معنى هذا بالطبع أن المسيح ليس رأس المرأة المؤمنة، ففي المسيح ليس عبد ولا حر وليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح (غلاطية ٣: ٢٨). ولكن الرسول يقصد أنه بمقتضى هذا النظام الذي وضعه الله تكون المرأة خاضعة لزوجها. ثم يقول الرسول إن رأس المسيح هو الله، فعندما تجسد المسيح، أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شِبْه الناس (فيلبي ٢: ٧) وهكذا كان خاضعاً لله. وكان المسيح يذكر دائماً خضوعه التطوعي للآب في الفداء، وبذلك ترك لنا مثالاً في الخضوع لمن هو فوقنا.

وخضوع المرأة للرجل لا يمنع مساواتها له في الطبيعة البشرية، ولا يمنع مساواتها له أمام الله، ولكنه لترتيب الحياة العائلية والاجتماعية. وقد ذكر الرسول أن الله سنَّ على المرأة الخضوع لزوجها، ولهذا لا يليق أن يلبس الرجل ما يكون علامة الخضوع، ولا أن تطرح المرأة غطاء الرأس الذي هو علامة الخضوع. ويذكر الرسول أن خروج المرأة غير مغطاة الرأس يشبه قصّ شعرها تماماً – كلاهما أمر مكروه، يخدش منظر المرأة أمام الناس. ولذلك فيجب أن يختلف مظهر المرأة وملبسها عن مظهر الرجال وملبسهم.

ولقد تبيَّن من تاريخ الخليقة أن الله قصد أن تكون المرأة خاضعة للرجل، فقد خلق المرأة من أجل الرجل، ولم يخلق الرجل من أجل المرأة، لذلك يجب على المرأة أن تغطي نفسها علامة الخضوع لزوجها، وذلك من أجل الملائكة – الذين يحضرون اجتماعات الكنيسة غير منظورين – ولقد قيل عنهم إنهم يفرحون بتوبة خاطىء واحد (لوقا ١٥: ١٠) وإنهم أرواح لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب ١: ١٤) وكان الرسول قد قال اننا صرنا منظراً للعالم، للملائكة والناس (١كورنثوس ٤: ٩).

والطبيعة نفسها تحكم أنه عار على الرجل أن يلبس ملابس المرأة، وعار على المرأة أن تلبس ملابس الرجل. والرسول يقول «احكموا أنتم لأنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلي لله وهي مكشوفة الرأس؟ أَمَا تعلّمكم الطبيعة نفسها أنه من العار للرجل أن يطيل شعره؟ ولكن من الفخر للمرأة أن تطيل شعرها، لأن الله جعل شعر المرأة ستراً لها». ويمضي الرسول بعد ذلك ليقول «إذا كان أحد يعارض هذا الذي أقوله فليست هذه عادتنا وليست هذه عادة كنيسة الله، لأن للرسول سلطاناً يجب أن تخضع له الكنائس».

عزيزي القارئ، يريد الرسول بولس أن تكون ملابسنا متفقة مع تقاليد المجتمع الذي نحيا فيه، ومع عادات الكنيسة الجامعة، فنحن لا يجب أن نفعل شيئاً في كنائسنا يختلف مع التقاليد المحيطة بنا، لئلا يسئ الناس الحكم علينا. وعلى ذلك فإننا يجب أن نتوافق مع المجتمع المحيط بنا. وسأضرب مثلاً: منذ سنوات طويلة كان الرجال يلبسون الطربوش أو العمامة ويخلعون الحذاء دلالة على الاحترام والتوقير. هذه العادة تغيَّرت. لو كنا في وقت ومكان نعبّر فيه عن احترامنا بارتداء غطاء للرأس وخَلْع الحذاء، لوَجَب أن نفعل ذلك. لكن بما أن الحال يتغير، فالمبدأ قائم وهو أن لا نسبّب للآخرين عثرة. وتطبيق المبدأ هو أن تكون ملابسنا ومظهرنا مناسبَيْن للمجتمع الذي نحيا فيه.. ان لطف المسيح في قلوبنا دائم باق، أما تقاليد المجتمع فإنها شيء خارجي يتغيّر.

آية للحفظ

«ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ ٱلْمَرْأَةِ، وَلا ٱلْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ ٱلرَّجُلِ فِي ٱلرَّبِّ» (١كورنثوس ١١: ١١)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تعلّمنا أن لا نسئ إلى أحد بتصرفاتنا. بل أن نكون قدوة حسنة حتى لا يتحدث أحد ضد المسيح. ساعدنا يارب لنتوافق مع مجتمعنا في ما لا يعطّل شهادتنا. وساعدنا لنحب الآخرين بكل قلوبنا وأن نعبّر عن هذه المحبة من نحوهم بطريقة عملية.

سؤال

١ – هل خضوع المرأة لزوجها يعني أنها أقل من الرجل؟

(ب) طريقة ممارسة العشاء الربانى

١٧ وَلٰكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهٰذَا، لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ. ١٨ لأَنِّي أَّوَلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ ٱنْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ ٱلتَّصْدِيقِ. ١٩ لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضاً، لِيَكُونَ ٱلْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ. ٢٠ فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعاً لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ ٱلرَّبِّ. ٢١ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي ٱلأَكْلِ، فَٱلْوَاحِدُ يَجُوعُ وَٱلآخَرُ يَسْكَرُ. ٢٢ أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ ٱللّٰهِ وَتُخْجِلُونَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ! أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هٰذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ! ٢٣ لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً: إِنَّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً ٢٤ وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. ٢٥ كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي. ٱصْنَعُوا هٰذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي. ٢٦ فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هٰذَا ٱلْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. ٢٧ إِذاً أَيُّ مَنْ أَكَلَ هٰذَا ٱلْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ ٱلرَّبِّ، بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ، يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ ٱلرَّبِّ وَدَمِهِ. ٢٨ وَلٰكِنْ لِيَمْتَحِنِ ٱلإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهٰكَذَا يَأْكُلُ مِنَ ٱلْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ ٱلْكَأْسِ. ٢٩ لأَنَّ ٱلَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ ٱلرَّبِّ. ٣٠ مِنْ أَجْلِ هٰذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. ٣١ لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا، ٣٢ وَلٰكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا نُؤَدَّبُ مِنَ ٱلرَّبِّ لِكَيْ لا نُدَانَ مَعَ ٱلْعَالَمِ. ٣٣ إِذاً يَا إِخْوَتِي حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ، ٱنْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ٣٤ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي ٱلْبَيْتِ، كَيْ لا تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا ٱلأُمُورُ ٱلْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا (١كورنثوس ١١: ١٧ – ٣٤).

اعتاد المسيحيون الأّولون أن يقيموا عشاء اسمه «وليمة المحبة» ليتعشوا معاً قبل أن يتناولوا العشاء الرباني. وكان كل واحد منهم يجئ من بيته ببعض الطعام، ثم يجلس الجميع معاً ليأكلوا، وذلك قبل التناول من العشاء الرباني. وقد جاء في سفر الأعمال القول «وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ، وَٱلشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ ٱلْخُبْزِ، وَٱلصَّلَوَاتِ… وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ ٱلطَّعَامَ بِٱبْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ» (أعمال ٢: ٤٢ ، ٤٦). ولعل المؤمنين الأولين تبعوا هذه العادة على مثال ما فعل المسيح الذي تناول عشاء الفصح مع تلاميذه، ثم رسم لهم فريضة العشاء الرباني. فكان كل مؤمن يأتي بطعام يضعه على المائدة ليشاركه الجميع فيه. كان الغني يأتي بالكثير والفقير يأتي بقليل أو بلا شيء، وكان المقصود بتلك الوليمة الاتحاد والمساواة والشركة بين جماعة المؤمنين. ولكن ما حدث في كورنثوس كان مختلفاً، فقد انقسمت الكنيسة وصارت فيها تحّزُبات، ظهر تأثيرها على مائدة المسيح، فانفرد الأغنياء عن الفقراء وأكلوا ما أتوا به من أطعمة كثيرة، وتركوا إخوتهم الفقراء في جوع وخجل. وأخذ الرسول بولس يُصلح هذا الخلل الذي حدث في اجتماعاتهم فيقول إن هذا الأسلوب يؤذيكم ولا ينفعكم. وذكر الرسول أن انقسامهم ظهر في اجتماعاتهم الدينية، وأن الله لم يمنع حدوث هذا حتى يتبيَّن صالحهم من شريرهم. يقول: حين تجتمعون تنقسمون، ولابد من البدع فيما بينكم ليظهر فيكم الثابتون في الإيمان. ثم يمضي الرسول فيقول إنهم استهانوا «بعشاء المحبة» لأنهم جعلوه مساوياً للعشاء العادي، فكان بعضهم يتناول بشراهة، وينصرف بعضهم دون أن يذوق منه شيئاً. يقول: أنتم لا تأكلون عشاء الرب حين تجتمعون، بل يأكل كل واحد منكم عشاءً خاصاً، فيجوع بعضكم ويسكر الآخرون. ويوبخهم الرسول بولس على ذلك قائلاً: «أليس لكم بيوت تأكلون فيها وتشربون؟ أم أنكم تستهينون بكنيسة الله وتُخجلون الفقراء؟ لا لستُ أمدحكم أبداً عن هذا الأمر، على العكس أنا أوبخكم!» ومن هذا نرى الغلطتين اللتين وقع فيهما أهل كورنثوس وهما:

  1. إنهم تناولوا «عشاء المحبة» سداً لجوعهم خلافاً لما قُصد به.
  2. إنهم جعلوا « عشاء المحبة» وسيلة لإذلال إخوتهم الفقراء.

بعد ذلك أوضح الرسول بولس فى الآيات ٢٣ – ٢٥ الطريقة الصحيحة لممارسة العشاء الرباني، التي تسلَّمها من المسيح نفسه، وهي أن المسيح في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً وصلى صلاة شكر، ثم كسر وأعطى تلاميذه قائلاً: خذوا كلوا! هذا هو جسدي المكسور لأجلكم. اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري. ومن هذا يتضح:

  1. إن العشاء الرباني ليس عشاء عادياً، بل هو تذكار لموت المسيح.
  2. إن تناول العشاء الرباني بطريق غير لائق هو خطأ الى جسد المسيح ودمه واستخفاف بهما.
  3. إنه لا يليق أن يقترب أحد الى مائدة الرب بدون امتحان للنفس.
  4. تناولنا يجعلنا نخبر بموت الرب.
  5. تناولنا يجعلنا ننتظر مجئ المسيح ثانية.

والرسول يقول إنه بسبب نقص استعدادهم في التناول من العشاء الرباني أوقع الرب عليهم ضربات كثيرة. فقد كثُر فيهم المرضى والضعفاء، ومات بعضهم. ولو كانوا قد امتحنوا أنفسهم قبل التناول، لينقّوا قلوبهم من الخطأ، لتجنَّبوا الحكم الذي أوقعه الرب عليهم. ولكن الرب يدينهم ويؤدبهم ليجنبهم الدينونة الآتية على البشر جميعاً. ولذلك فإن الرسول يطلب من المؤمنين أن يمتحن كل واحد نفسه. وإذ يكتشف أنه مخطئ ومقصّر، فان عليه أن يعترف ويتوب، وعندئذ يستطيع أن يأكل من الخبز وأن يشرب من الكأس، فإن الله لا يدعو البار، لكنه يدعو الخاطئ التائب. وبعد ذلك ينصح الرسول أهل كورنثوس أن يأكلوا العشاء العادي في بيوتهم، وأن يجعلوا عشاء الرب مشاركة للمسيح ومشاركة بعضهم لبعض. عزيزي القارئ، أنت مطالب أن تفحص نفسك دائماً قبل أن تتقدم لتتناول، وأن تصفي الحساب بينك وبين الله وبينك وبين الآخرين، حتى لا تتناول دينونة لنفسك، لأنك لا تميز جسد الرب – لكن تتناول بركة لحياتك لأنك تحسّ بوحدانيتك مع المسيح.

آية للحفظ

«فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هٰذَا ٱلْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (١كورنثوس ١١: ٢٦)

صلاة

يا أبانا السماوي نقدم لك الشكر لأجل فريضة العشاء الرباني التي فرضها المسيح علينا ورسمها لنا. نشكرك لأنها بركة لنا، فإنها تذكّرنا بما فعلت لنا، وتجعلنا واحداً بعضنا مع بعض، إذ نأكل الخبز الواحد ونشرب الكأس الواحد، وتشير لنا الى أن ننتظر مجيئك فنخبر بموتك حتى تجئ إلينا ثانياً. ربنا باركنا لنكون مستحقين أن نتناول من مائدتك بفضل ما فعل المسيح لأجلنا.

سؤال

٢ – لماذا نتناول من فريضة عشاء الرب؟ اكتب آية لتوضح كل سبب مما تذكره.

You may also like