الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس تفسير إنجيل متى – المقدمة (بنيامين بنكرتن)

تفسير إنجيل متى – المقدمة (بنيامين بنكرتن)

بواسطة Mousa
234 الآراء

 ملاحظات افتتاحية

الطوائف الدينية عند اليهود في أيام المسيح

كان اليهود في أيام الرب يسوع المسيح منقسمين إلى طائفتين دينيتين عظيمتين هما الفريسيون وهما أهل التقاليد، والصدوقيون وهم منكرو عالم الأرواح. علاوة على بعض الطوائف الصغيرة الأخرى التي جاء ذكرها في العهد الجديد. منها الهيرودسيون، وهم مؤيدو هيرودس في ملكه. واغلب الظن أنهم كانوا في مبادئهم أقرب إلى الصدوقيين منهم إلى الفريسيين.

وقد بدأ ظهور تلك الطوائف قبل المسيح بحوالي مائة وخمسين سنة. وواضح انه لا يذكر شئ عنها في العهد القديم لأن آخر سفر فيه – وهو سفر ملاخي النبي – كان قد كُتب قبل المسيح بحوالي أربعمائة سنة.

الفريسيون

أعظم طوائف اليهود أغناها، وأكثرها عددا. كان من مبادئهم التمسك بحرفية الناموس. وقالوا بوجود تقاليد سلمها الله لموسى شفاها، وموسى سلمها لآباء الأمة. وقالوا أن لهذه التقاليد سلطان الشريعة نفسها. وقد تمسكوا بتلك التقاليد تمسكًا جعلهم يتركون وصايا الله الصريحة (مَتَّى 2:15-4؛ مرقس 8:7-13؛ غلاطية 14:1).

وكان من أفكارهم أن الله لابد أن يبارك اليهود لمجرد أنهم أولاد إبراهيم. وأن يبررهم باستحقاقات إبراهيم وأن الغضب الآتي سينصب فقط على الأمم لأنهم ليسوا من أولاد إبراهيم. وهذا مما دعا المعمدان لأن يوبخهم «من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي؟ … ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا».

معنى اسمهم (المفرزون) الذي قصدوا به فرز أنفسهم عن باقي الناس (لوقا 14:18). كانوا متكبرين، يحبون المتكأ الأول في الولائم. والمجالس الأولى في المجامع. والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس (سيدي. سيدي). كانوا مرائين. يصنعون صدقاتهم أمام الناس لكي ينظروهم. ويصلون قائمين في المجامع وفى زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس. وكانوا يصومون مرتين في الأسبوع: يوم الخميس، ظنًا منهم انه في ذلك اليوم صعد موسى إلى الجبل ليتسلم الناموس، ويوم الاثنين، ظنًا منهم انه في ذلك اليوم نزل من الجبل. وإذا صاموا كانوا يغيرون وجوههم لكي يظهروا أمام الناس انهم صائمون. وكانوا

يعرِّضون عصائبهم، ويعظمون أهداب ثيابهم، متظاهرين بالتقوى والقرب من الله اكثر من سواهم.

وقد وبخهم الرب بشدة، وحكم عليهم بالويل لأجل كبريائهم الممقوت وريائهم الكاذب (مَتَّى 11:15-20؛ 13:23-36).

ولكن هذا لم يمنع أن يكون بينهم أُناس أتقياء ذكرهم الكتاب، أمثال غمالائيل، ونيقوديموس، وشاول الطرسوسي. غير أنهم كانوا في حاجة إلى غسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس.

الصدوقيون

سُموا كذلك نسبة إلى رئيسهم (صادوق). كانت مبادئهم مشتقة من الفلسفة الوثنية وتبعوا كثيرا من العادات الوثنية ورفضوا التقاليد التي كان يتمسك بها الفريسيون. ويقال انهم رفضوا أسفار موسى الخمسة وأنكروا القيامة وخلود النفس (مَتَّى 23:22) كما أنكروا وجود الملائكة والأرواح (أعمال الرسل 8:23).

الكتبة

يغلب على الظن أنهم خلفاء عزرا (عزرا 6:7) وكانت وظيفتهم نسخ الكتب المقدسة وتفسيرها. فكانوا علماء الشعب ومعلميه (مَتَّى 29:7) وكان أكثرهم من الفريسيين. وبالنسبة إلى تمسكهم بالناموس دُعوا أيضًا (ناموسيين) (مَتَّى 34:22، 35؛ لوقا 25:10 بالمقابلة مع مرقس 28:12) ويبدوا أنهم كانوا أعضاء بارزين في مجمع اليهود (مَتَّى 3:26) ومن أقران رؤساء الكهنة (مَتَّى 15:21).

مجامع اليهود

كان لدى اليهود نوعان من المجامع. مجامع مدنية أو قضائية، ومجامع دينية.

المجامع القضائية

السهندرين أو (السهندريم). كان في أورشليم، وهو المجمع الأعلى، كانت له سلطة واسعة في الأمور الدينية والمدنية. كان مؤلفًا من سبعين عضوًا يرأسهم رئيس الكهنة. ويزعم اليهود أن تأسيسه يرجع إلى السبعين شيخًا الذين أمر الله بتعيينهم لمساعدة موسى (عدد 16:21، 17). ولكن لا يذكر شئ عن ذلك بعد استقرارهم في ارض كنعان. والمرجح انه تأسس في أيام المكابيين. كان يتكون من رؤساء الكهنة (ورؤوس الفرق الكهنوتية الأربع والعشرين) (أخبار الأيام الثاني 8:22) ومن شيوخ الشعب والكتبة. وكان المحكمة العليا عند اليهود وله الحق في الحكم في كل الأمور وعلى جميع الأشخاص. وكانت أحكامه نافذة على اليهود في كل مكان. ولكن الحكومة الرومانية حدّت من سلطته ومنعته من تنفيذ حكم الموت على أحد إلا بعد محاكمته محاكمة قانونية بمعرفتها (يوحنا 21:18) وأمام هذا المجلس حُوكم الرب (لوقا 16:22) وبطرس ويوحنا ( أعمال الرسل 1:4-22 ؛ 17:5-41) واستفانوس (أعمال الرسل 12:6-15) وبولس (أعمال الرسل 30:22؛ 1:23-10).

مجامع المدن والقرى: كذلك كان لهم مجامع أخرى في المدن والقرى وكانت وتلك المجامع خاضعة لمجمع السنهدريم. وقد أُشير إلى هذه المجامع وسلطتها في (مَتَّى 21:5 ، 22؛ مرقس 8:13).

المجامع الدينية

هي أماكن كانوا يجتمعون فيها للعبادة والمرجح أنها بدأت بعد السبي البابلي وامتد تأسيسها إلى سوريا وآسيا الصغرى واليونان وغيرها من البلاد التي تشتت إليها اليهود. وكان يوجد في المدن الكبرى اكثر من مجمع واحد .

في هذه المجامع كانت تُقام الصلوات ويُقرأ الناموس (إي كتب الناموس، أسفار موسى الخمسة) وبعض كتب الأنبياء في السبوت (أعمال الرسل 15:13). وكان مرتبًا أن تُقرأ جميعها على مدار السنة. وكان من عادة السيد أن يزور تلك المجامع ليُعلم الشعب ويعمل بينهم المعجزات (مَتَّى 23:4؛ لوقا 16:4؛ 6:6-10).

وكان الإخراج من المجمع عقابًا شديدًا عند اليهود (يوحنا 22:9) وقد أوضح الرب لتلاميذه أنهم سيخرجونهم من المجامع (يوحنا 2:16) وقد نفذوا هذا الحكم في الإنسان الذي وُلِدَ أعمى وفتح السيد عينيه لشهادته للمسيح (يوحنا 34:9-38) ومع أنه آمن كثيرون من رؤساء تلك المجامع، غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع لأنهم أحبوا مجد الناس اكثر من مجد الله (يوحنا 42:12، 43).

أرض إسرائيل في أيام المسيح

كانت تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الجليل، والسامرة، واليهودية.

1-الجليل: في الشمال. وكانت تنقسم إلى قسمين. الجليل العليا في الشمال وكان يسكنها السوريون والفينيقيون والعرب (الأمم) وأختلط بهم اليهود بعد سبى بابل. لذلك سميت جليل الأمم (إشعياء 1:9؛ مَتَّى 15:4). والجليل السفلي، في الجنوب. وكانت تشمل أنصبة أسباط يساكر وزبولون ونفتالي وأشير. وكانت لغة أهل الجليل مُحرفة بسب اختلاط اليهود الذين استوطنوا هناك بعد سبى بابل مع الأمم (يوحنا 46:1؛ 52:7؛ أعمال الرسل 7:2) ومن مدن الجليل الشهيرة الناصرة وكفر ناحوم وقانا وطبرية وكورزين وبيت صيدا ونايين.

2-السامرة: كانت السامرة في العهد القديم تُطلق على مدينة بناها عَمْرِي ملك إسرائيل وأصبحت بعد انقسام المملكة عاصمة إسرائيل (العشرة أسباط) حتى أُخربت بعد السبي (الملوك الثاني 9:18-12) ولما جاء الرومان أطلقوا هذا الاسم على الجزء الذي يشمل أنصبة منسى وأفرايم وهو في الوسط، بين الجليل شمالاً واليهودية جنوبًا (لوقا 11:17؛ يوحنا 4:4؛ أعمال الرسل 8:1؛ 31:9؛ 3:15) وكان يسكنها السامريون وهم خليط من الآشوريين واليهود (اقرأ ملوك الثاني 24:17، 33) وقد قبلوا أسفار موسى الخمسة، وبنوا هيكلاً على جبل جرزيم وسجدوا لإله إسرائيل انتظروا مسيا (يوحنا 25:4) وكانت عداوة شديدة بين اليهود والسامريين (يوحنا 9:4).

3 – اليهودية: جنوب السامرة، غرب الأردن. وفى العهد الجديد تطلق اليهودية أحيانًا على كل فلسطين وعلى بعض الأراضي شرق الأردن(مَتَّى 1:19؛ مرقس 1:10؛ غلاطية 22:1) ومن مدنها أورشليم وبيت عنيا وبيت فاجي وبيت لحم وعين نون أريحا.

الأناجيل الأربعة

لقد سُرَّ الله أن يعطينا أربعة أناجيل لكي تقدم لنا المسيح في الأربع الصفات الآتية:

كالملك، في إنجيل مَتَّى «. . . لداود غصن البر» (إرميا 15:33).

وكالخادم الأمين، في إنجيل مرقس «. . . عبدي الغصن» (زكريا 8:3).

وكابن الإنسان، في إنجيل لوقا «الرجل الغصن» (زكريا 12:6).

وكابن الله، في إنجيل يوحنا «أصل داود» (رؤيا 16:22).

ولكن جميع الأناجيل تقدم الشخص الواحد، مأخوذة صورته من الجانب الذي قصد الروح القدس أن يقدمه لنا منه بواسطة كل كاتب من البشيرين الأربعة.

إنجيل مَتَّى

كاتبه

كتبه مَتَّى، أحد رسل ربنا يسوع المسيح الإثني عشر (مَتَّى 1:10-4). وهو يهودي من الجليل (أع7:2). وهو نفسه «لاوي بن حلفي» (مرقس 14:2؛ لوقا 29:5). وكلمة «مَتَّى» معناها«عطية الله». والضيافة الكبيرة التي صنعها مَتَّى في بيته للرب، ودعا إليها جمعًا كبيرًا من عشارين وآخرين، كانت بمناسبة دعوة الرب له وفرحًا بها. ولكنه لتواضعه لا يعلق عليها كغيره (إصحاح 9:9–13).

كان مَتَّى في أول الأمر عشارًا – إي انه كان يجمع الجزية للدولة الرومانية – ولهذا كان هو وأمثاله من العشارين منبوذين ومحتقرين من اليهود، وكانوا يعتبرونهم غير مستحقين للجنسية اليهودية. وطالما اقترنت أسماؤهم بالخطاة والوثنين (مَتَّى 10:9، 11؛ 17:18). وكثيرًا ما تذمر الفريسيون على الرب لقبوله العشارين ودخوله بيوتهم (لوقا 30:5؛ 51:15؛ 7:19)، ولكن نعمة الله هي للجميع بدون استثناء، وقادرة أن تخلص أشر الخطاة. والوثنين فدعت متى من مكان الجباية للرومان، ليكون رسولاً لربنا يسوع المسيح (مرقس 15:2، 16؛ لوقا 27:5-29)، وبعد أن كان نكبة على اليهود بجبايته كعشار، جعلته نعمة الله «عطية الله» لهم بإنجيله كبشير. لذلك لم يستح أن يسمي نفسه «مَتَّى العشار» (إصحاح 3:10).

غرضه

كتب مَتَّى هذا الإنجيل لليهود ليثبت لهم أن الرب يسوع هو «ابن داود» مُستودع وعد الله بالملك على شعبه وعلى كل الأرض (مزمور19:89-37؛ مزمور 72؛ صموئيل الثاني 8:7-15) و«ابن إبراهيم» مُستودع وعد الله بالبركة لشعبه ولكل الأمم (تكوين 17:22، 18؛ غلاطية 16:3) ولهذا السبب يرد بهذا الإنجيل نحو خمسة وستين اقتباسًا من العهد القديم تمت في المسيح. وفيه ترد كلمة «الملكوت» حوالي خمس وخمسين مرة، والعبارة ملكوت السماوات اثنتين وثلاثين مرة. واللقب «ابن داود» سبع مرات.

أسلوبه

يفتتح الروح القدس هذا الإنجيل بالعبارة «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم». فسلسلة النسب هنا لا تتعدى داود صاحب الوعد بالملك، وإبراهيم، صاحب الوعد بالبركة. بخلاف إنجيل لوقا حيث تمتد سلسلة النسب إلى آدم، لأن لوقا يقدمه كابن الإنسان، نسل المرأة، والمخلص لكل الجنس البشري.

وفي هذا الإنجيل ترد اقتباسات من العهد القديم أكثر من أي إنجيل آخر. بالمطابقة لغرضه الأساسي، وهو إقناع اليهود بمسياهم المتنبأ عنه في كتبهم.

وفيه فقط يرد القول «يخلص شعبه من خطاياهم» (إصحاح 21:1). وفيه وحده يُذكر الاسم النبوي «عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا» (إصحاح 1: 23). وفيه وحده نرى المجوس آتين إلى أورشليم مدينة الملك العظيم (مزمور 2:48) ليسألوا «أين هو المولود ملك اليهود؟» (إصحاح 2:2) ونقرأ عن الهروب إلى مصر تتميمًا للنبوة «من مصر دعوت ابني» (إصحاح 15:2، هوشع 2:3) وفى دخوله أورشليم في موكبه الملكي يسجل هذا الإنجيل وحده استقبال الجماهير له بالهتاف «أوصلنا لابن داود» (إصحاح 9:21).

ولا يُذكر في ختام هذا الإنجيل صعود الرب يسوع، بل يقتصر على الإشارة إلى قيامته فقط، وأن إليه قد دُفع كل سلطان من الآب، شهادة بأن المسيح المقام قد تسلم كل السلطان أو القوة اللازمة لإقامة الملكوت، وهى القوة التي قهرت الموت (تيموثاوس الثانية 8:2).

أقسامه

ينقسم هذا الإنجيل سبعة أقسام :-

1- (إصحاح 1، 2) الملك كما وُعد به.

2- (إصحاح3-7) إعلان الملكوت والملك.

3- (إصحاح 8-12) ظهور الملك الذي أظهر أيضا حالة قلب الشعب من نحوه.

4- (إصحاح 13-إصحاح 28:20) الملكوت في أيدي البشر.

5- (إصحاح 29:20-إصحاح 23) عرض الملك الحاكم ورفضه.

6- (إصحاح 24، 25) إخضاع الشر في نهاية الدهر.

7- (إصحاح 26-28) الملك يتمم صفقة الشراء لملكه بدمه.

You may also like