الرئيسية تفاسيرالكتاب المقدس تفسير إنجيل متى – الإصحاح 1 (بنيامين بنكرتن)

تفسير إنجيل متى – الإصحاح 1 (بنيامين بنكرتن)

بواسطة Mousa
329 الآراء

سلسلة نسب المسيح (عدد 1-17) 

قابل (لوقا23:3-38)

«كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وأخوته. ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصرون. وحصرون ولد أرام. وأرام ولد عميناداب. وعميناداب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون. وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى. ويسى ولد داود الملك. وداود الملك ولد سليمان من التي لأُرويا. وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يُورام. ويُورام ولد عُزيا. وعُزيا ولد يُوثام. ويُوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسى. ومنسى ولد آمون. وآمون ولد يُوشيا. ويُوشيا ولد يَكُنْيَا وإخوته عند سبي بابل. وبعد سبي بابل يَكُنْيَا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازُورَ. وعازُورَ ولد صادوق. وصادُوق ولد أَخيم. وأَخيم ولد أَليود. وأَليود ولد أَليعازر. وأَليعازر ولد مَتَّان. ومَتَّان ولد يَعْقُوبَ. ويَعْقُوبَ ولد يُوسُف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح. فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً. ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة جيلاً.»(عدد 1-17).

لا يُخفي أن البشيرين الأربعة كتبوا مسوقين من الروح القدس. فكتاباتهم بإلهام إلهي كسائر أسفار الكتاب المقدس. وفي الحقيقة المؤلف واحد، هو الروح القدس. وقد ألهم مَتَّى ليكتب عن حياة سيدنا وربنا كابن داود ابن إبراهيم حاضرًا في وسط شعبه، لذلك يتتبع نسبته البشرية، إلى داود وإبراهيم.

«كتاب ميلاد». اصطلاح عبري قديم معناه سلسلة نسب أو سجل المواليد (تكوين 1:5). ولم يرد هذا الاصطلاح ولم يسجل إلا مرة في أول التوراة بالارتباط مع آدم الأول ومرة ثانية في أول العهد الجديد بالارتباط مع آدم الأخير. ولم يسجل في العهد الجديد سوى هذه السلسلة لأنه بمجيء المسيح وموته انتهى تاريخ الإنسان الأول من أمام الله.

«يسوع». كلمة عبرية معناها «يهوه المخلص» وهو لقب السيد كإنسان. «المسيح». اللقب الرسمي للرب. معناه الممسوح، أي المقام من الله بالمسحة (مزمور 2:2، 6) ومرادف لكلمة «مسيا» اليونانية (يوحنا 41:1؛ 25:4).

«ابن داود». أي نسل داود والوارث الشرعي لعرشه (صموئيل الثاني 8:7-15؛ هوشع 5:3).

«ابن إبراهيم». أي نسل إبراهيم الذي فيه تتبارك جميع قبائل الأرض (تكوين 18:22؛ غلاطية ا16:3).

تأتي بعد ذلك سلسلة النسب وفيها نرى :

أولاً- هذه النسبة، المدوَّنة في مَتَّى، هي ليوسف وهى الرسمية. والأسماء فيها مقسمة إلى ثلاثة أقسام. يحتوي كل قسم منها على أربعة عشر اسمًا. فالقسم الأول من إبراهيم مُستودع المواعيد الخاصة بالمسيا الملك إلى إقامة الملكوت على يد داود، والثاني من داود إلى سبي بابل عندما أطفئ سراج داود في المدينة المختارة، وأُخذت من عائلته السلطة السياسية (صموئيل الثاني 17:21؛ ملوك الأول 36:11؛ أخبار الأيام الثاني 15:18، 6). والثالث من سبي بابل إلى يوسف رجل مريم الذي كان رسميًا هو الوارث الشرعي لكرسي داود.

ثانيًا– لم يذكر من أولاد يعقوب الإثني عشر إلا يهوذا (عدد2) لأن منه جاء المسيح (تكوين 10:49)

ثالثًا– لا يذكر مَتّى أسماء النساء الشهيرات كسارة وغيرها من اللواتي افتخر بهن جميع اليهود ولكنه يذكر أسماء نساء لم يقدر اليهود أن يفتخروا بهن: الأولى «ثامار» (عدد 3). وقد ذُكرت للدلالة على أن خلاص الله هو للخطاة (تكوين 11:38–14؛ مَتَّى 13:9؛ تيموثاوس الأولى 15:1). والثانية «راحاب» (عدد س5) التي ذُكرت للدلالة على أن الخلاص للخطاة بالإيمان (يشوع 2؛ عبرانيين 31:11؛ أعمال 31:16). والثالثة «راعوث» (عدد 5) وقد ذُكرت للدلالة على أن هذا الخلاص هو بالنعمة بدون الناموس (تثنية 3:23؛ رومية 21:3–30؛ أفسس 8:2 ، 9). والرابعة «بثشبع» (عدد 6). أو «التي لأوريا» وقد ذُكرت للدلالة على أن خلاص الله للمؤمنين هو بالنعمة وأبدي (صموئيل الثاني 11، 12؛ مزمور 3:23؛ عبرانيين 38:10، 39).

رابعًا- في (عدد 8) جاء القول «يُورام ولد عُزيا» ولا يقصد بذلك أن يُورام هو أبو عُزيا، ولكن المقصود أن عُزيا سليل يُورام، لأن ما بين يُورام وعُزيا لا يُذكر ثلاثة ملوك واردة أسماؤهم في السلسلة الواردة في (أخبار الأيام الأول 11:3، 12) وهم أخزيا ويوآش وأمصيا. وحذف هؤلاء الملوك الثلاثة كان قضاء إلهيًا عليهم حسب الوعيد الوارد في (خروج 3:20–5؛ تثنية 18:29–20) ومن ثم لم يعترف الشعب بملكهم عليه إذ ثار عليهم وقتلهم ولم يدفنهم في قبور الملوك (أخبار الأيام الثاني 8:22، 9؛ 25:24؛ 27:25، 28) وأسقطهم من جدول النسب الملكي. وقد راعى مَتَّى ذلك في كتابة إنجيله لأنه كان مقدمًا لليهود. ومهما كان السبب فعدم ذكرهم لا يخل بصحة النسبة. ولم يقدر اليهود أن يعترضوا عليها بشيء وحذف بعض الأسماء من جداول الأنساب لبعض الأسباب كان أمرًا مألوفًا لدى اليهود كما هو واضح من مقابلة (عزرا 1:7-5 مع أخبار الأيام الأول 3:6-15).

خامسًا- في (عدد 11) لم يذكر ثلاثة ملوك وارد تاريخهم في (أخبار الأيام الثاني 36) ومشار إليهم في السلسلة المدونة في (أخبار الأيام الأول 11:3، 12)، وهم يهوآحاز ويهوياقيم وصدقيا.

والسبب هو 1– أن يهوآحاز وصدقيا ابني يوشيا ليسا داخلين في سلسلة نسب المسيح. 2– لأن يهوياقيم أخاهما وإن كان هو الذي منه التسلسل لأنه أبو يكنيا المنسوب ليوشيا جده، إلا أنه كان غير مرضي عنه من الشعب ليكون ملكًا. بدليل أنه عند موت يوشيا أبيه كان عمره 25 سنة وعمر أخيه يهوآحاز 23 سنة. فكان هو الأحق بالعرش لأنه الأكبر. ولكن شعب الأرض ملكوا يهوآحاز الأصغر. غير أن ملك مصر عزل يهوآحاز ومَلَّكَ يهوياقيم رغم إرادة الشعب. فزاد هذا من كراهية الشعب له (أخبار الأيام الثاني 27:25) فلم يعترفوا به ملكًا وأسقطوه من جداول أنسابهم.

سادسًا- في (عدد 11) ورد القول «يكنيا واخوته» والمقصود بأخوته هنا أعمامه، الذين منهم «متنيا» أو «صدقيا» الذي جلس على العرش بعده (ملوك الثاني 27:24) ويُدعي في (أخبار الأيام الثاني 10:26) «أخاه» كما هو وارد هنا.

سابعًا- في (عدد 12) قيل أن «يكنيا ولد شألتئيل» وهذا لا يتعارض مع ما قيل في (إرميا 30:22) «اكتبوا هذا الرجل عقيمًا» لأن هذا العقم هو من جهة العرش لا من جهة النسل كما قيل بعد ذلك «لأنه لا ينجح من نسله أحد جالسًا على كرسي داود» ولم يكن شألتئيل ولا أحد من نسله جالسًا على العرش حتى جاء المسيح صاحب العرش الأصلي.

ثامنًا- في (عدد 12) جاء القول أيضًا «شألتئيل ولد زربابل» والواضح من (أخبار الأيام الأول 19:3) أن زربابل هو ابن فداي بن شألتئيل. وقد حُذف أسم فداي من الجدول لسبب ما كعادة اليهود في الحذف كما سبقت الإشارة.

تاسعًا- في (عدد 13) جاء القول «زربابل ولد أبيهود» وفي (لوقا 27:3) ورد أن زربابل ولد ريسا وريسا ولد يوحنا. وبالرجوع إلى (أخبار الأيام الأول 19:3) نجد أن زربابل كان له ابنان، مشلام وحنانيا. وعلى ذلك يكون مشلام اسم آخر لأبيهود جد يوسف، وحنانيا اسم آخر ليوحنا جد العذراء، إذ كان من المألوف أن يكون للشخص اسمان (قابل دانيال 6:1، 7؛ صموئيل الثاني 3:3 مع أخبار الأيام الأول 1:3) أما ريسا فمحذوف لسبب ما حسب عادتهم في جداولهم. ومن هنا يتبين لنا أن زربابل هو الجد المتوسط لعائلتي يوسف ومريم. كما أن داود هو الجد الأول لهما.

عاشرًا- الأسماء المذكورة في الأعداد من (13–15) غير موجودة في أسفار العهد القديم، لأن الجزء الأكبر منها وُجد أصحابها بعد اختتام أسفار العهد القديم في فترة توقف الوحي بين ملاخي والمعمدان ومما لا شك فيه أن هذه الأسماء تطابقُ ما جاء في السجلات العامة أو العائلية التي كان يُعني بها اليهود عناية تامة لحفظ أنسابهم (انظر عزرا 62:2).

حادي عشر- أُعيد ذكر اسم داود الملك في فاتحة المجموعة الثانية من مجموعة الأسماء لأنه المُورث الأصلي والأول للعرش، ورأس العائلة المالكة، وبذلك تكون هذه المجموعة أربعة عشر اسمًا كسابقتها. وأصبحت المجموعة الثالثة أيضًا كسابقتيها بإضافة اسم ربنا يسوع المسيح في ختامها كالوارث الحقيقي والأخير للعرش، كما قيل «يسوع المسيح ابن داود» (عدد 1). وكما قيل أيضًا «ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه» (لوقا 32:1).

ثاني عشر- في (عدد 16) يُقال «يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعي المسيح» ويلاحظ هنا أمران: (الأول) أن سلسلة النسب خاصة بيوسف رجل مريم الأب الشرعي للمسيح كابن داود. (الثاني) أنه لا يُقال هنا أن يوسف ولد يسوع كما مر في الأنساب السابقة، حاشا لأنه إنما وُلد من العذراء وحدها بقوة الروح القدس. فليس «يسوع» ابنًا ليوسف إلا شرعًا فقط بالتبني ليكون عن طريق الانتساب إليه هو الوارث الشرعي لعرش داود.

ثالث عشر- في (عدد 17) كلمة «جيل» معناها دور من حياة العائلة بمعدل حياة الشخص أو مدة حكم الملك. وتأتى بمعان أخرى، منها جملة الناس العائشين معًا في وقت واحد (تكوين 1:7) أو مدة من الزمن تساوى مائة سنة (تكوين 13:15 مع 16)، أو صنف من الناس (تثنية 5:32)، أو وقت من الأوقات (لوقا 50:1).

رابع عشر- لا يجب أن يفوتنا الفرق بين سلسة النسب الواردة في (مَتَّى 1:1-17) وتلك الواردة في (لوقا23:3-38).

أ- فالأولى هي سلسة نسب يوسف بن سليمان بن داود. والثانية سلسلة نسب العذراء بنت ناثان بن داود.

ب- مَتَّى يكتب لليهود عن مسياهم فيبدأ بإبراهيم أب اليهود. أما لوقا فيكتب للبشر جميعًا عن مخلصهم فيبدأ بآدم أبى الجنس البشرى.

ج- جدول مَتَّى يسير من إبراهيم إلى يوسف ليُعلن وصول العرش إلى المسيح شرعيًا عن طريق يوسف. أما جدول لوقا فيعلن انتساب المسيح لآدم كابن الإنسان عن طريق الولادة من العذراء.

د – جاء في مَتَّى أن «شألتئيل» هو ابن «يكينا» (عدد 12) بينما يرد في لوقا أنه ابن نيري (لوقا 27:3). ولا تعارض بين القولين. فأن شألتئيل هو ابن يكينا فعلاً، وابن نيري شرعًا لأنه أخذ ابنته زوجة، فوضع اسمه محل اسمها، كعادة اليهود.

هـ- ورد في مَتَّى أن يوسف هو ابن يعقوب. بينما ورد في (لوقا 23:3) أنه ابن هالي ولا تعارض أيضًا في ذلك لأن يوسف هو ابن يعقوب فعلاً وابن هالي «أبى مريم» شرعًا إذ أخذ «يوسف» العذراء ابنة هالي فوضع اسمه محل اسمها في جدول نسبها على نفس القاعدة السابقة. ويعتقد كثير من المفسرين أن (لوقا 23:3) يُقرأ هكذا «ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو ‘على ما كان يظن ابن يوسف’ ابن هالي» إي أن بدء السلسة هو هالي أبو أمه مريم فواضح مما سلف أن يوسف ومريم كانا من العائلة المالكة. ولكن تلك العائلة كانت قد انحطت لأن يوسف الوارث الحقيقي لكرسي داود، عوضًا عن أن يكون ملكًا، كان نجارًا، غير معروف حتى لم يكن هيرودس المختلس لكرسي داود يسمع به. ولكن الوحي يصفه كإنسان بار.

ولادة المسيح (عدد 18-25؛ لوقا 1:2-7)

«أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجدت حُبلى من الروح القدس. فيوسف رجلها إذ كان بارًا ولم يشأ أن يُشهرها أراد تخليتها سرًا. ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذ ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً، يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعوا اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» (عدد 18-21).

حقًا أن طرق الله ليست كطرق الإنسان. فلم يشأ أن يتجسد ابنه ويُولد من بيت داود في أيام سليمان الشهير ويكون محاطًا بأمجاد عالمية من صغر السن، بل تأنى إلى أن وُجد وارث لداود لا اسم له ولا ذكر في العالم، ولكنه متصف بالبر، حينئذ وُلد المسيح. أن طرق الله تُجْرَى دائمًا لامتحان الإيمان مع أنه تعالي يتنازل من لطفه ويزيل الشكوك التي قد تنشا عن سمو طرقه التي لا تستقصي (إشعياء 8:55، 9؛ رومية 33:11). فلما صار يوسف البار في شك وحيرة لم يستعجل إلى عمل شئ، بل بدأ يفكر في هذه الأمور الخارقة للعادة. وحينئذ تداخل الله وأكد لعبده أنه هو نفسه القائم بالعمل ليكمل مقاصده ومواعيده ومن ثم فلا سبب لخوفه وشكه بتة. وإذ ذاك زالت جميع شكوكه.

«مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا» (عدد 18) كانت الخطبة عند بني إسرائيل زواجًا بغير اجتماع. وبعد فترة قصيرة كانت تُقام حفلة العرس لتتميم الزواج (انظر تكوين 55:24؛ قضاة 8:14).

«يُشهرها» أي يفضح أمرها، ويعرضها لقصاص الرجم (تثنية 20:22، 21). «وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم»(عدد 21) معني «يسوع» «يهوه المخلص» وهذا ليس مجرد اسم يُعرف به، بل هو إعلان عن حقيقة شخصه، أنه إله الشعب وليس ملكه فقط، لأن الذي يخلص الشعب من خطاياهم، هو الله وليس الملك (مزمور 51) فيخلصهم، لا من أعدائهم البشريين، كما عمل داود وغيره قديمًا، بل من خطاياهم دون أن يذكر هنا الكيفية التي بها يخلصهم. وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد أبنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا» (عدد 22، 23).

فأسمه بحسب هذه النبوة (عمانوئيل) يدل على شخصه العجيب من حيث أنه إنسان مولود من امرأة ليس بالطريقة الاعتيادية. ومع ذلك فهو الله أيضًا حاضرًا في وسط شعبه المختار.

وترد هذه النبوة في (إشعياء 14:7). كان آحاز ملك يهوذا في خطر من ملكي دمشق والسامرة اللذين قصدا استئصال بيت داود وإقامة ملك أجنبي على كرسيه في أورشليم. راجع (إشعياء 1:7-16). فأرسل الرب النبي إلى آحاز ليقول له «أطلب لنفسك آية من الرب ألهك. عمق طلبك أو رفعه إلى فوق» أي اطلب أية آية كانت لتؤكد لك أن الرب يخلصك من أعدائك. ولما لم يكن لآحاز إيمان، أبى أن يطلب قائلاً «لا أطلب ولا أجرب الرب». ولم يكن جوابه هذا ناشئًا عن تقوى بل عن عدم إيمان لأنه كان يتحتم عليه أن يطلب حسب قول الرب. ثم قال النبي «اسمعوا، يا بيت داود، هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضًا؟ ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل». فولادة ابن عجيب الوصف كهذا من عذراء هي آية إلهية معطاة لتدل على تداخل الله في أمور شعبه ليخلصهم.

ثم يعود النبي ويذكر آية أو علامة أخري يعطيها الرب لتدل على أنه يخلص أورشليم وملكها آحاز من الخطر المحيط به وقتئذ رغمًا عن عدم إيمانه إذ قال «زبدًا وعسلاً يأكل مَتَّي عرف أن يرفض الشر ويختار الخير لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تُخلي الأرض التي أنت خاش من ملكيها» فهذان العددان (15، 16) يقومان وحدهما ويتعلقان بالصبي المذكور، أي صبي النبي إشعياء الذي كان واقفًا معه (انظر عدد 3) وليس لهم أدني علاقة بابن العذراء المُتنبأ عنه في (عدد 14). لأن الآية الإلهية هي ولادة ابن العذراء. أما كلامه عن الصبي، أي ابنه الواقف معه أمام الملك فمعناه أنه يستمر في أمن في مدينة أورشليم يأكل زبدًا وعسلاً إلى سن الرشد. وبالتبعية لا تكون المدينة محاصرة (ملوك الأول 5:16). فأذن الملكان اللذان كان آحاز خائفًا منهما لا يقدران أن يستمرا محاصرين أورشليم لمنع دخول الزبد والعسل إليها من الخارج، لا بل وقبل أن يبلغ الصبي سن الرشد يُبادان كلاهما. وقد تم هذا الكلام فيهما بعد ذلك بمدة وجيزة (إشعياء 3:8، 4) وأما الكلام الوارد في (عدد 14) فنبوة صريحة عن ولادة المسيح وليس له علاقة بالكلام الوارد في عددي (15، 16) عن ابن النبي.

«فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع» (عدد 24، 25). لا يجوز لنا أن نطيل الشرح على الحوادث المتعلقة بولادة ربنا يسوع المسيح لأن الرسول مَتَّى الذي أُلهم بكتابتها قد اختصر جدًا في كلامه. فلا داعي لإطالة الشرح عليها أيضًا لئلا نُضعف نور الوحي. لاشك أنه دُون هذه الحوادث خصيصًا لإفادة اليهود ولكن لها أهمية غير محدودة أبدية لنا نحن أيضًا لأنها أساس إيماننا فانه بها قد تنازل الله أن يقرن نفسه ومجده بالإنسان. لأن الذي وُلد هو الله. عمانوئيل. فصار مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ووارثًا لحقوق داود حسب الجسد، بينما هو ابن الله أيضًا، فمن يستطيع أن يدرك هذا السر العظيم المتعلق بطبيعة ذاك الذي صدقت عليه هذه الأسماء والألقاب وتمت فيه جميع النبوات والمواعيد السابقة؟ وسنرى عندما نتتبع حياته على الأرض انه أظهر الطاعة لله كما يليق به كالإنسان الكامل، كما أظهرَ أيضًا صفاته الذاتية كالله القادر. قيل عن يوسف أنه «أخذ امرأته ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر» ولا يُخفى أنه بمناسبة هذه العبارة قد طالت المجادلات من جهة أكان لمريم أولاد من يوسف بعد ذلك أم لا؟ غير إني لست أرى أنه من المفيد أن أبحث في هذا الموضوع. لأن الأمر الجوهري المقصود من تلك العبارة هو أن مريم بقيت عذراء حتى ولدت ابنها البكر. على أن الذي حمل كثيرين إلى نفى اقتران مريم بيوسف هو الزعم بأن الزواج المحلل هو نوع من النجاسة. ولما كان قصدهم أن يعظموا شأن أُمْ الرب فوق البشر، قبح في أعينهم القول بأنها عاشت مع رجلها في حالة الزواج بعد ولادة المسيح، ولكن هذا افتراء شنيع على الزواج الذي رتبه الله للإنسان حتى قبل سقوطه (تكوين 27:1، 28) لأن هذا معناه انه لا يمكن للمتزوج أن يكون مقدسًا كغير المتزوج، مع أن الحال ليس كذلك لأن أشهر القديسين، ومنهم رسل المسيح أنفسهم (ماعدا بولس الرسول)، قد عاشوا مع الله في حالة الزواج (كورنثوس الأولى 5:9).

You may also like