القسم الاول:الحياه المسيحيه حياه جديد

الفصل الثاني: حالة المؤمنين

«وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا ٱلْمَسِيحَ هٰكَذَا – إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ ٱلتَّصَرُّفِ ٱلسَّابِقِ ٱلإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ ٱلْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا ٱلإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ ٱلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللّٰهِ فِي ٱلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ ٱلْحَقِّ» (أفسس ٤: ٢٠-٢٤).

بعد أن تحدث الرسول بولس عن تمام فساد حالة الوثنيين وجاهليتهم، أظهر الفرق بينهم وبين المؤمنين. وبدأ هذه الفكرة بقوله: «وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا». وكلمة «أما» تبيِّن الفرق. الأمم في نجاسة، أما المؤمنون ففي قداسة الحق. تعلَّم الوثنيون الشر، أما المؤمنون فلم يتعلموا المسيح هكذا! لقد سمعوا من المسيح تعاليم جديدة غير مسبوقة، ورأوا منه معجزات محبة تلمس كل ناحية من نواحي الحياة. وأكثر من ذلك، أنهم تعلَّموه بالاختبار، فعرفوا قوته المغيِّرة التي منعتهم عن السلوك الشرير السابق.

ولا يقول الرسول بولس إنهم لم يتعلَّموا عن المسيح، لكنه يقول: «لم يتعلموا المسيح». فلا يكفي أن نعرف عن المسيح، بل يجب أن نعرفه هو. من المهم أن نعرف تعليمه، لكن الأهمّ أن نقبله مخلِّصاً شخصياً وفادياً، ونختبر مع الرسول قوله: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلامِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ» (فيلبي ٣: ١٠).

  1. المؤمنون يتعلَّمون:

    «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ»(آية ٢١).

    وليس المقصود بالقول «إن كنتم» الشك في أن الخبر وصلهم، لكن المقصود تأكيد وتحقيق وصول الخبر إليهم. لقد سمعوا المسيح يكلِّمهم بواسطة رسله الذين علَّموهم، وسمعوه بعد أن سكن في قلوبهم، يرشدهم إلى كل ما هو حق.. إذاً سمعوا الحق وتعلَّموه. والحق هو الدين الصحيح. وما داموا قد عرفوا المسيح فيجب أن يتركوا الخطية، لأن الله حقٌّ وقدوس. لقد سمعوا وتعلموا «في يسوع» فصاروا الآن خليقةً جديدة، ينطبق عليهم قول المسيح: «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي» (يوحنا ١٠: ٢٧).

  2. المؤمنون يخلعون الإنسان العتيق:

    «أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ ٱلتَّصَرُّفِ ٱلسَّابِقِ ٱلإِنْسَانَ ٱلْعَتِيقَ ٱلْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ ٱلْغُرُورِ» (آية ٢٢).

    تعلَّم المؤمنون الحق، فيجب أن يخلعوا كل ما كانوا يمارسونه «مِنْ جِهَةِ ٱلتَّصَرُّفِ ٱلسَّابِقِ» أي من جهة المبادئ التي كانوا يسلكون بحسبها، فيخلعونها كما يخلع الإنسان ثوباً قذراً بالياً. إن ترقيع القديم لا يصلح، فيجب أن نخلعه ونلبس الجديد (لوقا ٥: ٣٦-٣٨).

    و «الإنسان العتيق» هو الطبيعة الفاسدة التي لم تتجدَّد بعد بعمل الروح القدس. يسمِّيها «الإنسان» لأن الطبيعة الإنسانية فاسدة، لا ينفع معها الإصلاح، بل تحتاج إلى تغيير وتجديد كاملين. ويسمِّيها «العتيق» لأنها قديمة بالية متهرِّئة لا تستر!

    ومحاولتنا إصلاح نفوسنا هي الترقيع. لكن الحق هو أننا «في يسوع» نخلع العتيق البالي الذي هو «الإنسان العتيق» أي الطبيعة الفاسدة، الذي يقول عنه الرسول: «أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي» (رومية ٧: ٢٣). ويشرح عمله في قوله: «لأَنَّ ٱلْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ ٱلرُّوحِ وَٱلرُّوحُ ضِدَّ ٱلْجَسَدِ، وَهٰذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا ٱلآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لا تُرِيدُونَ» (غلاطية ٥: ١٧).

    هذه الطبيعة الفاسدة التي فينا تجذبنا إلى أسفل، وتزيد من فسادٍ إلى فسادٍ، وتنتهي بهلاك صاحبها، فيجب أن نخلعها. وهي «بحسب شهوات الغرور» لأنها فاسدة تميل إلى الشهوات، كما أنها تخدعنا وتقتلنا، كما قيل: «ٱلْخَطِيَّة… خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي» (رومية ٧: ١١).

    هناك شهوة المكسب الحرام، وشهوة العظمة والسلطان الباطلَيْن، وشهوة اللذَّة الجسدية. وكل هذه غرور، وباطل الأباطيل، ولا منفعة منها كلها.

    خدعت شهوات الغرور آدم وحواء فظنّا أن السعادة هي في الأكل من الشجرة المنهيّ عنها (تكوين ٣: ٦)! وخدعت الغني الغبي فظن أنه يحيا طويلاً ليهدم مخازنه القديمة ويبني مخازن جديدة أكبر، فمات من ليلته (لوقا ١٢: ٢٠)! وخدعت الابن الضال فظن أنه يجد السعادة في البلاد البعيدة مغترباً عن أبيه (لوقا ١٥: ١٤)!

    وعلى المؤمن أن يخلع الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، مع كل «أَعْمَالِ ٱلظُّلْمَةِ» (رومية ١٣: ١٢).

  3. المؤمنون يتجدَّدون:

    «أن تَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ» (آية ٢٣)

    لا يكفي أن نخلع الخطية، بل يجب أن نلبس القداسة. وهذا لا يكون إلا بالتجديد والتغيير اللذين يجريهما الروح القدس في قلوبنا. يعزم بعض الناس أن يعيشوا الحياة الصالحة، معتمدين على جهدهم وعزمهم وبرِّهم الذاتي، ولكن هذا لا يجدي ولا يستمر. نعم قد يُصلح الإنسان بجهده أحد أخطائه، ولكنه في الوقت نفسه يجد أنه وقع في خطإٍ آخر. الحاجة إذاً هي إلى التجديد بعمل الروح القدس، فإن الله «بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ – خَلَّصَنَا بِغَسْلِ ٱلْمِيلادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (تيطس ٣: ٥). وبهذا التجديد تعود النفس إلى صورة الله. وفي الجديد قوة وجمال، فنقول: «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ١٠).

    هذا التجديد يكون «بروح ذهنكم». ويقول القديس يوحنا فم الذهب إن هذا يعني «تجديد عقولكم وأفكاركم بعمل الروح القدس». فالتجديد يُجري في المؤمن تغييراً في قلبه وعقله، ويغيّر نظرته للحياة، ويغيّر المبادئ التي كان يسير عليها، ويغيِّر ردود أفعاله، ويغيّر تقييمه للأمور. كما قال الرسول بولس: «تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ» (رومية ١٢: ٢).

    وليس هذا التغيير في العادات والمظاهر الخارجية فقط، لكنه تغيير في مبادئ الحياة الداخلية بتجديد القلب، ويظهر تأثيره في التصرفات الخارجية، وصَلْب الجسد مع الأهواء والشهوات، والاجتهاد بتقوية الجانب الروحي بالصلاة ودراسة كلمة الله، وتمليك المسيح على الحياة بجملتها.

    وفي كلمة «تتجددوا» معنى الاستمرار، فالإنسان يتجدد يوماً فيوماً. كل يوم يجعله أكثر قرباً من الله، وأفضل حالاً من اليوم السابق.

  4. المؤمنون يلبسون الإنسان الجديد:

    «أن َتَلْبَسُوا ٱلإِنْسَانَ ٱلْجَدِيدَ ٱلْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ ٱللّٰهِ فِي ٱلْبِرِّ وَقَدَاسَةِ ٱلْحَقِ»(آية ٢٤).

    بعد أن يتوب المؤمنون ويخلعوا العتيق، يتجددون ويلبسون الإنسان الجديد. و «الإنسان الجديد» هو الطبيعة الجديدة التي يعطيها الله، «لأنه إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (٢كورنثوس ٥: ١٧).

    هذا الإنسان الجديد «مخلوق» لأن الله يخلقه فينا. وهو «مخلوق بحسب الله» بمعنى أنه على صورة الله (وفي الترجمة المنقَّحة «على مثال الله»). فالإنسان الذي يجدده الروح القدس هو الإنسان الذي على صورة الرحمان.

    خلق الله آدم الأول «عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ» (تكوين ١: ٢٧) ولكنه ضل وضاعت منه الصورة الأصلية. فيعود الله يخلقه من جديد (في المسيح) على الصورة الأصلية التي كان فيها. ولذلك يقول الرسول: «وَلَبِسْتُمُ ٱلْجَدِيدَ ٱلَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ» (كولوسي ٣: ١٠). ويقول الرسول بطرس: «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (١بطرس ١: ١٥).

    والمؤمن الجديد مخلوق على صورة الله ومثاله «في البر وقداسة الحق». والبر هو التصرف العادل السليم من جهة جميع الناس، والبار هو العادل الذي يعطي كل صاحب حقٍ حقَّه، فيعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله. إنه «ٱلسَّالِكُ بِٱلْكَمَالِ، وَٱلْعَامِلُ ٱلْحَقَّ، وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ» (مزمور ١٥: ٢). ويبرهن لنا الروح القدس دائماً أن بر المسيح من نوعٍ فريد، فكل البشر أخطأوا، أما المسيح فهو الكامل وحده، الذي قال لأعدائه: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يوحنا ٨: ٤٦) فلم يجرؤ أحدٌ أن يردّ عليه!

    أما «قداسة الحق» فهي القداسة التي تنتج عن معرفة الحق، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل. فالحق يحرِّرنا من الخطية وهذا يمنحنا الفرح والقداسة. والمسيح هو الطريق والحق والحياة، وبه وحده نجد الطريق إلى الآب وإلى القداسة.

    لقد أعاد الله خلق المؤمنين، لذلك يقول زكريا الكاهن: «نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرٍّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا» (لوقا ١: ٧٥). ويقول الرسول بولس: «بِطَهَارَةٍ وَبِبِرٍّ وَبِلا لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ» (١تسالونيكي ٢: ١٠).

ومن هذه الآيات نرى أن المؤمنين:

  1. يخلعون العتيق، ويلبسون الجديد،
  2. يخلعون الفاسد، ويلبسون المخلوق بحسب الله،
  3. يخلعون الذي بحسب شهوات الغرور، ويلبسون الذي بحسب الله في البر وقداسة الحق.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com/

You may also like