الرئيسية كتبدفاعيات 21-الباب السادس: الفلاسفة والتثليث

كتاب الله ذاته ونوع وحدانيته

الفلاسفة والتثليث

عوض سمعان

الباب السادس: الفلاسفة والتثليث

في هذا الباب نرى

١ – آراء الفلاسفة الوثنيين.

٢ – آراء الفلاسفة المنتمين إلى المسيحية.

٣ – آراء الفلاسفة المسيحيين.

الفصل الأول: آراء الفلاسفة الوثنيين

عاش هؤلاء الفلاسفة في الأجيال الأولى للمسيحية، وكانوا قد سمعوا عن عقائدها، لكنهم رفضوا الإيمان بها، واتخذوا فقط بعض عقائدها ومزجوها بالفلسفة اليونانية، التي كانت متسلطة على عقولهم وعقول غيرهم من الناس وقتئذ. وفيما يلي أهم آرائهم والرد عليها:

  1. قال مرقيون، في القرن الثاني: «هناك ثلاثة أصول للكون: الأول طاهر وهو اللّه، والثاني شرير وهو الشيطان، والثالث هو صانع العالم. ولمَّا كثُر الناس على الأرض، حدث نزاع بين الشيطان وصانع العالم، لأن كلاًّ منهما أراد أن يسيطر عليهم. فأرسل اللّه ابنه يسوع المسيح، الذي كان انبثق منه أزلاً، ليقضي على الشيطان وصانع العالم معاً، ويخلِّص الناس من نفوذهما».
  2. وقال باسيليدس، في القرن الثاني: «نظراً لأن اللّه منزه عن الاتصال بغيره، سمح أن تنبثق منه في الأزل سبعة أرواح (بجانب ابنه الوحيد يسوع المسيح، الذي كان قد انبثق منه قبلها) لتخلق العالم وتدبر أموره. وكان رئيس اليهود أحد هذه الأرواح، وكان يتميَّز بالتشامخ والكبرياء، والرغبة في إخضاع الناس لسلطانه، فثارت بينه وبين الأرواح الأخرى حرب شعواء. ولمَّا رأى اللّه هذه الحرب، أرسل ابنه الوحيد ليقضي على رئيس اليهود، ويهدي الناس إلى عبادته».
  3. وقال سطرنيوس، في القرن الثاني: «للوجود أصلان، هما اللّه والمادة، وقد انبثق من الأصل الأول في الأزل، كائن يشبهه كل الشبه هو السيد المسيح، فاتخذه ابناً له. ثم انبثقت منه بعد ذلك سبعة أرواح، كلَّفها بصنع العالم. ولمَّا عظم شأن هذه الأرواح بعد صنعها له، تمرَّدت على اللّه فأرسل السيد المسيح إلى العالم ليقضي على سلطانها، ويجتذب الصالحين من البشر إليه».
  4. وقال كوردون، في القرن الثالث: «كان مع اللّه في الأزل إلهان أقل منه شأناً، الأول خالق اليهود والثاني خالق الوثنيين. ونظراً لأن كلاّ منهما أراد أن يسيطر على العالم، قامت حرب عظيمة بينهما. فأرسل اللّه ابنه الوحيد، الذي كان متحداً به اتحاد الصورة بالجوهر، لينوب عنه في القضاء عليهما».
  5. ٥- وقال برديسيانس، في القرن الثالث: «للعالم أصلان، هما إله الخير وإله الشر، فالأول هو الذي خلق الناس في حالة البر والطهارة، والثاني هو الذي علَّمهم بعد خلقهم فعل الشر والنجاسة. ولمَّا رأى إله الخير ما وصل إليه الناس من الذل والانحطاط بسبب خطاياهم، أرسل إليهم ابنه يسوع المسيح يخلِّصهم منها ويسمو بهم إلى حالة البر والطهارة، التي كانوا قد خُلقوا عليها أولاً».
  6. وقال كورنثوس، في القرن الثالث: « خلق اللّه في الأزل أيونات كثيرة، والأيونات في علم الكيمياء، هي الشحنات الإيجابية والسلبية التي تتحلل إليها المادة. وفي الفلسفة، هي الأرواح التي قال الفلاسفة إنها انبثقت من اللّه في الأزمنة الأزلية، وكوّنت العالم وكل ما فيه من الكائنات. ويطلق بعضهم على «الأيونات» اسم «الأرخونات» وهي كلمة يونانية معناها «الرؤساء» أو «المبدعون». وأسمى هذه الأيونات وأعظمها مقاماً هو السيد المسيح. ولمَّا ضلَّ الناس عن الحق، أرسله اللّه إليهم ليهديهم ويرشدهم. فحلّ في جسد شخص يُدعى يسوع، وأخذ في القيام بالمهمة التي أتى من أجلها. لكن لمَّا قبض اليهود على يسوع ليصلبوه، تركه المسيح وعاد إلى السماء» .
  7. وقال فالتينوس، في القرن الثالث: «للوجود أصلان هما الخير والشر، والأول مذكّر والثاني مؤنّث، وباقترانهما معاً، وُلدت أيونات من الذكور والإناث. فاقترن الذكور بالإناث. ما عدا أربعة منهم، فأكرمهم الخير ورفعهم فوق جميع الأيونات. وهؤلاء الأربعة هم: أوروس حارس مسكن الخير، والمسيح كلمة الخير، ويسوع صورة المسيح، والروح القدس مصدر الحياة وباعثها».
  8. وقال فريق من الغنوسيين، في القرن الثالث: «هناك ثلاثة أصول: الأول هو الروح أو الخير، والثاني هو المادة أو الشر، والثالث هو الديمورج أو الصانع، وطبيعته وسط بين الاثنين الآخرين. ولوجود عنصر مادي فيه، انجذب إلى الأصل الثاني (وهو المادة أو الشر) وامتزج به، فنشأ من امتزاجهما العالم مملوءاً بالشر والفساد.. فلما رأى الخير ذلك، أتى إلى العالم متجسداً في المسيح، ليخلص العالم من شره وفساده».
  9. وقال فريق آخر منهم: «هناك أصلان للوجود: الأول هو اللّه غير المدرك، والثاني هو زوجته السكون المفكّر، وباتحادهما معاً، وُلدت الكلمة والحياة، والكلمة هي المسيح، والحياة هي الروح القدس».
  10. وقال ماني، في القرن الثالث: «للوجود أصلان، هما هرمز إله النور وإهريمان إله الظلمة. ولمَّا انتشر الشر في العالم بتأثير الأصل الثاني، وظهر عجز البشر عن إنقاذ أنفسهم منه، أخرج الأصل الأول من ذاته كائنين عظيمين، هما المسيح والروح القدس، ليقوما بإنقاذهم وإعادتهم إليه».

هذه هي آراء فلاسفة الوثنيين، ومنها يتضح لنا أنهم لم يفهموا شيئاً عن عقيدة التثليث. وكل ما فعلوه، هو أنهم استعاروا كلمة المسيح، أو كلمتي المسيح والروح القدس، ومزجوا بها أو بهما تصوُّراتهم عن اللّه من جهة علاقته بالعالم، مستخدمين في ذلك آراء فلاسفة اليونان وغيرهم من الوثنيين الذين سبقوهم. ولذلك ليست لأقوالهم هذه قيمة. ومع ذلك نقول إنهم وإن كانوا قد أطلقوا العنان لعقولهم لتفكر كما تشاء، إلا أنهم لمَّا اهتدوا إلى أن اللّه لا حد له، وإلى أن الإنسان لا يستطيع الاتصال به مباشرة، اضطر معظمهم إلى افتراض وجود كائنات عظيمة منبثقة من اللّه، يتصل اللّه عن طريقها بالناس، ويتصلون هم عن طريقها به، حتى لا يسندوا إليه شيئاً من التطوّر أو التغيّر، وهذا دليل غير مباشر على أن كون اللّه أقانيم، أمر يتوافق كل التوافق مع كماله وثباته، وعدم تعرّضه للتطوّر أو التغيّر عند القيام بأعماله، أو الدخول في علاقة مع خلائقه.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com

You may also like