الرئيسية كتبدفاعيات 6- شهادة التوراة بأن وحدانية اللّه جامعة مانعة

6- شهادة التوراة بأن وحدانية اللّه جامعة مانعة

بواسطة nancy tharwat
125 الآراء

كتاب اللّه ذاتهُ وَنوع وَحدَانيتهِ –

شهادة التوراة بأن وحدانية اللّه جامعة مانعة

لعوض سمعان

الباب الأول: التوراة ووحدانية الله الجامعة المانعة

في هذا الباب ندرس

١ – شهادة التوراة بأن وحدانية اللّه جامعة مانعة.

٢ – التوراة وماهية الجامعية في الوحدانية الإلهية.

٣ – أسماء الأقانيم وعددهم ووحدتهم.

٤ – الأدلة على صدق شهادة التوراة.

الفصل الأول: شهادة التوراة بأن وحدانية اللّه جامعة مانعة

  1. قبل أن يخلق اللّه الإنسان، قال: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين ١: ٢٦). ويتفق الإسلام معنا على هذه الحقيقة، فقد جاء في الأخبار «خلق آدم على صورة الرحمٰن» (العقائد النسفية ص ٢٤٩، والفلسفة في الإسلام ص ٣٩). وطبعاً ليس المقصود بهذا المعنى الحرفي لها، بل المعنى المجازي، لأن اللّه ليس له صورة مادية يُصاغ أحد على شكلها. والمعنى المجازي المناسب لهذه الآية، هو أن الإنسان خُلق في حالة التوافق مع اللّه (قابل هذه الآية مع تكوين ٢: ٨، من جهة مشابهة حواء لآدم، من الناحية المعنوية).وقد اختلف الناس فيما تدل عليه صيغة الجمع، المستعملة في الكلمات: «نعمل الإنسان على صورتنا كشَبَهنا». فقال فريق منهم إنها تدل على تعظيم اللّه لذاته، وقال فريق آخر إنها تدل على أن وحدانيته هي وحدانية جامعة. ولكي تتضح الحقيقة للقارىء نقول: إن استعمال صيغة الجمع للدلالة على التعظيم لم يكن معروفاً في اللغة العبرية التي كُتبت بها التوراة أو غيرها من اللغات القديمة –
  2. فالملوك والعظماء كانوا يتحدثون عن أنفسهم، كما كانوا يُخاطَبون بصيغة المفرد (إقرأ مثلاً الخطابات القديمة الواردة في كتاب النيل في عهد الفراعنة، للأستاذ أنطون ذكري: ص ١٣، ١٤، ١٠١، ١١٢، وفي كتاب الفلسفة الشرقية، للدكتور محمد غلاب: ص ٣٧، ٣٨، ٦٩، ٧٢، ٧٣، ٧٥، ٧٦، وفي كتاب مصر القديمة، للأستاذ سليم حسن: ص ٣٧٠-٣٧٢، ٣٧٨-٣٨٨).
  3. والكتاب المقدس يؤيد هذه الحقيقة، فقد قال فرعون ليوسف: «إِنِّي كُنْتُ فِي حُلْمِي وَاقِفاً عَلَى شَاطِئِ ٱلنَّهْرِ» (تكوين ٤١: ١٧) مستعملاً صيغة المفرد. وقال نبوخذ نصر ملك بابل لدانيال: «كُنْتُ مُطْمَئِنّاً فِي بَيْتِي وَنَاضِراً فِي قَصْرِي» (دانيال ٤: ٤)، مستعملاً صيغة المفرد أيضاً. فضلاً عن ذلك، فقد سجل الكتاب المقدس أن اللّه نفسه لم يتكلم عن ذاته، بضمير الجمع «نحن» بل بضمير المفرد «أنا». فقد قال لإبراهيم: «أَنَا تُرْسٌ لَكَ» (تكوين ١٥: ١) كما قال لإسرائيل: «أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ»(إشعياء ٤٥: ٦). وهذا دليل على أن صيغة الجمع المستعملة مع اسمه في بعض الآيات، لا يُراد بها التعظيم، بل يُراد بها التعبير عن جامعية وحدانيته كما ذكرنا.وبما أنه ليس من المعقول أن يستعمل اللّه في أقواله مع البشر اصطلاحاً لغوياً غير معروف لديهم، لئلا يسيئوا فهم الغرض منه، فمن المؤكد أنه لا يقصد بهذه الصيغة تعظيماً لذاته. وبما أنه لا يقصد بها تعظيماً لذاته، وفي الوقت نفسه هو وحده الخالق للإنسان، فمن المؤكد أيضاً أنه لا يقصد بها ذاته وغيرها من الذوات، بل يقصد بها ذاته وحدها. وإذا كان الأمر كذلك كانت ذاته ليست مجرَّدة أو مطلقة، بل شاملة أو جامعة كما ذكرنا في التمهيد.فإذا أضفنا إلى ذلك، أن اللّه عظيم كل العظمة في ذاته. ومنْ هو عظيم كل العظمة في ذاته، لا يلجأ إلى تعظيمها – إذ لا يفعل ذلك إلا المخلوق الذي يشعر بوجود نقص في نفسه، فيدفعه مُرَكّبُ النقص إلى تعظيمها، لكي يغطّي ما فيها من نقص – لا يبقى مجال للشك في أن صيغة الجمع المستعملة مع «اللّه» في هذه الآية وغيرها من الآيات، تدل على أن وحدانيته وحدانية جامعة.
  4. وبعد أن خالف آدم وصية اللّه، قال اللّه: «هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تكوين ٣: ٢٢). ولا يمكن أن يكون الغرض من قوله «صار كواحد منا» التعظيم على الإطلاق، فهذا مستحيل للأسباب السابق ذكرها. ولو كان غرض اللّه من قوله هذا أن يُعظّم ذاته، لقال: «هوذا الإنسان قد صار مثلنا». ولذلك فقوله: «كواحد منّا» بهذا النص، يدل على أنّه جامع، أو بتعبير آخر على أنّه أكثر من تعيُّن واحد.
  5. وعندما كثر شر الناس على الأرض، قال أيضاً: «هَلُمَّ (أو دعنا) نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين ١١: ٧) – وبالتأمل في هذه الآية، يتضح لنا أن قول اللّه «هلمَّ» أو «دعنا»، لا يدل على تعظيمه لذاته إطلاقاً، بل يدل على حدوث تداول بينه وبين آخر. فتُرى مَنْ هو هذا الآخر الذي كان اللّه يتداول معه!؟الجواب: بما أن اللّه واحد لا شريك له، وفي الوقت نفسه هو كافٍ للقيام بكل أعماله بمفرده، إذن فهو لا يضع ذاته جنباً إلى جنب مع أحد من خلائقه ويخاطبه بالقول: «هلم نعمل كذا و كذا.. ». وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ التداول المذكور، يكون قد حدث بين اللّه وبين ذاته وحدها. وحدوث تداول بين اللّه وبين ذاته دليل قاطع على أنّه جامع، أو بتعبير آخر على أنه أكثر من تعيّن واحد.
  6. وعندما ظهر الرب لإشعياء النبي في الرؤيا قال: «مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إشعياء ٦: ٨) – ولا يمكن أن يكون الغرض من قوله: «من أجلنا» التعظيم على الإطلاق، فليس من المعقول أن يعظم اللّه ذاته تارة ولا يعظمها أخرى، لأنه قال قبل هذه العبارة مباشرة «من أرسل» بصيغة المفرد.
  7. ولا يمكن أن يكون الغرض من قوله «من أجلنا» ذاته والملائكة الذين معه، لأنه لا يرسل رسولاً إلى البشر من أجله ومن أجل الملائكة معاً، بل من أجله وحده، لأن البشر يجب أن يرجعوا إليه دون سواه. وإذا كان الأمر كذلك، فإن صيغة الجمع في هذه العبارة لا يمكن أن تدل إلا على أن وحدانية اللّه جامعة. أو بتعبير آخر لا تدل إلا على أن ذاته ليست تعيُّناً واحداً، بل تعينات، وأن المتكلم هو تعيُّن من هؤلاء التعينات.
  8. فضلاً عما تقدم من أدلة، فإننا إذا رجعنا إلى اللغة العبرية، التي هي اللغة الأصلية للتوراة، وجدنا أن «اللّه» يُسمَّى فيها باسمين رئيسيين: الأول «إلوهيم» (تكوين ١: ١)، وهو اسم جمع معناه الحرفي «الآلهة». والثاني «يهوه» (خروج ٣: ١٥) وهو اسم مفرد، معناه الحرفي «يكون باستمرار» أو «الكائن بذاته على الدوام».
  9. ولا شك في أن اللّه بإطلاقه على نفسه اسم «إلوهيم» الجمع، بجانب اسم «يهوه» المفرد، لا يقصد تعظيماً لذاته، لأنه لو كان الأمر كذلك، لما استعمل الاسم المفرد إطلاقاً، إذ ليس من المعقول أن يُعظّم ذاته تارة ولا يعظمها أخرى، بل يقصد التعبير عن نوع وحدانيته في مجال خاص. وهذا النوع لا يمكن أن يكون سوى الوحدانية الجامعة، أو الوحدانية المتميزة بأكثر من تعيُّن واحد كما ذكرنا.

ومما يثبت كذلك أن الجمع في كلمة «إلوهيم»، لا يُقصد به تعظيم اللّه لذاته، بل الإعلان عن أن وحدانيته وحدانيه جامعة، الدليلان الآتيان:

  1. لا يُقال مطلقاً «رؤساء» أو «سادة» للدلالة على تعظيم «رئيس» أو «سيد»، بل للدلالة على وجود أكثر من «رئيس» واحد، أو «سيد» واحد. وعلى هذا القياس لا يُراد بكلمة «إلوهيم» تعظيم اللّه، بل يُراد بها أنه أقانيم.
  2. الإسم «إلوهيم» لم يُستعمل عند ورود اسم الجلالة كالمتكلِّم والمخاطَب فحسب، بل وعند وروده كالمتكلَّم عنه أيضاً. فكلمة «اللّه» في الآية «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تكوين ١: ١) هي في الأصل العبري «إلوهيم». وبما أن القاعدة العامة هي أن صيغة الجمع لا تُستعمل للتعظيم، إلا إذا ورد الفاعل كالمتكلَّم أو المخاطَب فحسب، إذن ف «إلوهيم» تدل قطعاً على أن اللّه أكثر من تعيُّن واحد.

وأمام هذه الحقيقة، يسأل البعض: وما غرض اللّه من إطلاق اسمين مختلفين على نفسه، وفي أيّ مجال يُطلق كلاّ منهما عليها؟

والجواب: لولا وجود الخلائق العاقلة، لما كان هناك داعٍ لأن يطلق اللّه على نفسه اسماً ما. ولكن عندما خلقها، استلزم الأمر أن يطلق على نفسه اسماً لتعرفه به، يُراعى في اختياره أن يكون ذا معنى يمكن لخلائقه أن تعرف به شيئاً عنه، لأن كل اسم يُراد به تعريف المسمَّى به لدى غيره. ولما كان المخلوق، بسبب قصوره الذاتي، لا يستطيع أن يعرف شيئاً عن اللّه، من حيث ماهيته.

وكل ما يستطيع معرفته عنه هو صفاته وأعماله الظاهرة، كان من البديهي أنه عندما يطلق اللّه على نفسه اسماً، يختار اسماً يدل على صفاته أو أعماله الظاهرة لخلائقه. فإذا رجعنا إلى سفر التكوين، الذي هو أول إعلان للبشر عن اللّه، وجدنا أن أول اسم عُرف به في بدء الخلق وأثناء الخلق، هو «إلوهيم» الجمع.

وعندما أكمل خلق العالم، وأخذ في خلق الإنسان والاتصال به، عُرف باسم «يهوه إلوهيم»، أو حسب الترجمة الحرفية «الآلهة الكائن بذاته» (إقرأ تكوين ١: ١، ٢، ٣، ٤، ٥ مع تكوين ٢: ٤، ٥، ٧، ٨). ومن هذا نستنتج:

  1. يُراد باسم «إلوهيم» الجمع، «اللّه مع ذاته»، أو «اللّه بصرف النظر عن علاقته مع غيره». فكان من البديهي أن يُعرف اللّه بهذا الاسم، قبل الخَلْق وأثناء الخلق، لأن الاسم المذكور يدل في معناه، وفي جامعيته، على كفاية اللّه الذاتية، واستغنائه بذاته عن كل شيء سواه، كما يدل على وجود صفاته بالفعل، بصرف النظر عن وجود الكائنات أو عدم وجودها.
  2. يُراد باسم «يهوه» المفرد، «اللّه في علاقته مع غيره»، ولذلك كان من البديهي أن يُعرف اللّه بهذا الاسم عندما خلق الإنسان وبعد خلقه إياه، لأن الاسم المذكور يدل على العهد وما يتبع ذلك من المرافقة والمساعدة.
  3. لم يكن يُقصد بالإسم «إلوهيم» اللّه وبعض الآلهة معه، كما أنه لم يكن يُطلق عليه بواسطة اليهود بعد تأثُّرهم بالوثنية، كما يقول بعض المتهكمين من رجال الفلسفة، بل كان يُقصد به اللّه وحده، كما كان يُطلق عليه قبل تأثر اليهود بالوثنية بسنين كثيرة، والدليلان الآتيان خير شاهد على ذلك:
  1. يستعمل الوحي اسم «إلوهيم» الجمع مرادفاً لاسم «يهوه» المفرد. وهذا دليل قاطع على أنه يُقصد بـ «إلوهيم»، ذات اللّه الواحد، فقد قال موسى النبي (حسب الترجمة الحرفية للنص العبري) لبني إسرائيل: «إسمع يا إسرائيل، يهوه (مفرد) آلهتنا (جمع) يهوه (مفرد) واحد» (تثنية ٦: ٤).وقد ورد اسم «إلوهيم» مرادفاً أيضاً لاسم «يهوه»، في آيات كثيرة مثل (تكوين ٢: ٧، ٨، ٩، ١٥، ١٨، ١٩، ٣: ١، ٨، ٩، ١٣، ٤: ٤، ٦، ٩، ١ أخبار الأيام ٢٨: ٨). ونظراً لأن «يهوه» هو «إلوهيم» و «إلوهيم» هو «يهوه»، تُسنَد الصفات الخاصة بـ «يهوه» إلى «إلوهيم»، وتُسنَد الصفات الخاصة بـ «إلوهيم» إلى «يهوه»، سواء بسواء (إقرأ مثلاً ٢ صموئيل ٧: ٢٣).
  2. موسى النبي هو أول من استعمل هذا الاسم، ليس في كتابة متأخرة بل في أول كتابته عن اللّه والخليقة (تكوين ١: ١).مما تقدم يتضح لنا أن التوراة، مع إعلانها أن اللّه واحد لا شريك له، تُعلن أيضاً أن وحدانيته جامعة، أو بالحري وحدانية جامعة مانعه.نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com/

You may also like