الرئيسية كتبدفاعيات 3- توافق الوحدانية الجامعة مع وحدانية اللّه

3- توافق الوحدانية الجامعة مع وحدانية اللّه

بواسطة nancy tharwat
137 الآراء

كتاب اللّه ذاتهُ وَنوع وَحدَانيتهِ

الفصل الثاني: توافق الوحدانية الجامعة مع وحدانية اللّه

لعوض سمعان

الفصل الثاني: توافق الوحدانية الجامعة مع وحدانية اللّه

وهنا يتساءل البعض: كيف تكون وحدانية اللّه محض لا تركيب فيها على الإطلاق، وفي الوقت نفسه يكون اللّه شاملاً أو جامعاً؟

والجواب: لو أن أساس الجامعية والشمول في اللّه، يختلف عن أساس هذه الوحدانية فيه، لا يكون هناك مجال للاعتراض على الإطلاق. ولإيضاح ذلك نقول: إذا وُصف الإنسان مثلاً بأنه واحد وثلاثة، فإن هذا الوصف يبدو لأول وهلة متعارضاً مع الحقيقة المعروفة لدينا، لأنه لا يمكن أن يكون شخص ما واحداً وثلاثة. لكن إذا تبيَّن لنا أنه يقصد بهذا الوصف أن الإنسان واحد من جهة المظهر، وثلاثة من جهة الجوهر، فإن الشك في صحة هذا الوصف يزول من أمامنا، لأننا نعلم أن الإنسان واحد في مظهره، وفي الوقت نفسه هو في جوهره مكوَّن من ثلاثة عناصر متكاملة: هي الجسد والنفس والروح.

وعلى هذا القياس، مع مراعاة الفارق الذي لا حدَّ له بين الوحدانية الإلهية والوحدانية البشرية، لأن الأولى غير مركبة وغير محددة، أما الثانية فمركبة ومحدودة، نقول: بما أن اللّه جوهر، لأن القائم بذاته جوهر، و «الجوهر» ليس هو المادة، كما يتبادر إلى ذهن بعض الناس، بل هو ما ليس في موضوع، أو بتعبير آخر هو القائم بذاته. وليس هناك غبار على القول «إن اللّه جوهر». وقد شهد بهذه الحقيقة كثير من الفلاسفة. فقال ديكارت مثلاً «اللّه هو الجوهر الحقيقي» (المدخل إلى الفلسفة ص ١٧٧).

وبما أن هذا الجوهر، وإن كان لا متناهياً إلا أن له تعيُّناً خاصاً به، إذن يكون اللّه واحداً من جهة، وجامعاً أو شاملاً من جهة أخرى، دون أن يكون هناك أي تعارض أو تناقض في ذاته.

و «التعين» هو الوجود الواقعي الذي يتميز بمميزات تدل على أن له مثل هذا الوجود. ولا يُشترط فيه أن يكون محدوداً أو مجسَّماً، بل أن يكون فقط موجوداً وجوداً حقيقياً. ولذلك فلكل موجود تعيُّن بأي وجه من الوجوه، وليس بلا تعيُّن إلا غير الموجود.

فمن أي وجهٍ يكون واحداً، ومن أي جهةٍ يكون جامعاً؟

الجواب: لا شك في أنه يكون واحداً من جهة الجوهر، لأنه إن لم يكن واحداً من هذه الجهة، كان مركباً وقابلاً للتجزئة. والحال أنه ليس مركباً أو قابلاً للتجزئة. ويكون جامعاً من جهة التعيُّن، لأن وجود صفاته بالفعل منذ الأزل الذي لا بدء له، يدل بوضوح على أنه جامع من هذه الجهة. وجوهر اللّه الذي لا تركيب فيه، والجامع في تعيُّنه لكل ما هو لازم لكماله، واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود، ليس طبعاً سوى عين ذاته، لأنه لا تركيب فيه كما قلنا.

وإننا بقولنا سالف الذكر، لا نفرّق مطلقاً بين جوهر اللّه وتعيُّنه، بل نقصد فقط أن اللّه ليس جوهراً مبهماً أو غير معيَّن، بل إنه جوهر واضح أو معيّن – لأن التعين هو من مستلزمات كل موجود حقيقي، كما قلنا. فجوهر اللّه ما هو إلا اللاهوت. وهذا الجوهر نفسه بالنظر إلى تعيُّنه ما هو إلا اللّه. واللّه ليس شيئاً غير اللاهوت، بل هو اللاهوت معيّناً. واللاهوت ليس شيئاً غير اللّه، بل هو اللّه جوهراً. ولذلك كثيراً ما تُستعمل كلمة «اللاهوت» بدلاً من كلمة «اللّه»، وكلمة «اللّه» بدلاً من كلمة «اللاهوت»، كما يتضح بكثرة في الأبواب التالية.

وقد عبَّر ابن العربي في كتابه «فصوص الحكم»، عن «اللاهوت» بـ «الباطن»، وعن اللّه بـ «الظاهر»، ثم أعلن أنهما واحد. فقال عن اللّه «هو الظاهر وهو الباطن، وهو عين ما ظهر وعين ما بطن». كما أعلن ما يُستنتج منه أن الكثرة ليست في جوهر اللّه أو هُويته، بل هي في تعيُّنه أو ظاهريته، فقال: «لا كثرة في هُوية ذات الحق. وكل كثرة واختلاط (أو علاقات) فهو بعد ذاته وظاهريته». واصطلاح «الظاهر والباطن» اقتبسه ابن العربي من القرآن، فقد ورد في (سورة الحديد ٥٧: ٣) عن اللّه «هُوَ ٱلأَّوَلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ».

مما تقدم يتضح لنا ما يأتي:

  1. بما أنه لا يُراد بوحدانية اللّه الجامعة، أنه واحد في تعيُّنه وجامع أيضاً في تعيُّنه، بل بالعكس يُراد بها أنه واحد في جوهره وجامعٌ في تعيُّنه، إذن ليس هناك أي تناقض في القول إن وحدانية اللّه هي وحدانية جامعة مانعة.ويتفق معنا في ذلك بعض علماء المسلمين. فمثلاً قال صاحب المواقف: «لا يجوز اجتماع الوحدة مع الكثرة في شيء واحد من جهة واحدة» (المواقف ص ٣٤٢)، ومعنى ذلك أنه يجوز اجتماعهما معاً في شيء واحد من جهتين.
  2. بما أنه لا يُراد بوحدانية اللّه الجامعة، أنه جامع في جوهره وواحد في تعينه، بل بالعكس يُراد بها أنه واحد في جوهره وجامع في تعينه، إذن لا سبيل للظن بأنها تنمّ عن وجود أي تركيب في ذاته.
  3. وبما أنه لا يُراد بجامعية تعيّنه، ذاته وغيرها من الذوات، بل يُراد بها ذاته وحدها، إذن لا سبيل للظن بأن هذه الوحدانية تنم عن وجود أي شريك له.وبذلك فإن وحدانية اللّه الجامعة، لا تتعارض مع وحدانيته، أو عدم وجود تركيب فيه، أو عدم وجود شريك له، بل تتوافق مع هذه الحقائق كل التوافق.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com/

You may also like