الرئيسية كتبدفاعيات 11-الفصل الثاني: توافق التثليث مع وحدانية اللّه، وعدم وجود تركيب فيه

11-الفصل الثاني: توافق التثليث مع وحدانية اللّه، وعدم وجود تركيب فيه

بواسطة nancy tharwat
44 الآراء

كتاب الله ذاته ونوع وحدانيته

توافق التثليث مع وحدانية اللّه، وعدم وجود تركيب فيه

عوض سمعان

الفصل الثاني: توافق التثليث مع وحدانية اللّه، وعدم وجود تركيب فيه

اتضح لنا من التمهيد، أن وحدانية اللّه الجامعة المانعة تتفق كل الاتفاق مع وحدانيته وعدم وجود تركيب فيه. لكن نظراً لأن البعض يظن أن التثليث يتعارض مع هاتين الحقيقتين، رأينا من الواجب أن نثبت في هذا الفصل خطأ هذا الظن، ومخالفته للحقيقة كل المخالفة، ولذلك نقول:

  1. لو كان المراد بالتثليث أن هناك ثلاثة آلهة، أو إلهين ثانويين مع اللّه، لكان هناك مجال للطعن في صحة التثليث، لأنه يكون في هذه الحالة إشراكاً. لكن الأمر ليس كذلك، لأن المراد به، هو أن اللّه الذي لا شريك له، هو بعينه ذات الأقانيم الثلاثة، وأن هؤلاء الأقانيم الثلاثة هم بعينهم ذات اللّه الذي لا شريك له، لأنهم لم يخرجوا عن كونهم تعيُّنات اللاهوت (أو اللّه) واحد ووحيد، لا ينقسم أو يتجزأ على الإطلاق. ولذلك فالتثليث لا يتعارض مع وحدانيته، بل يتوافق معها كل التوافق.ولقد قلنا إن اللّه واحد ووحيد، لأن الواحد هو الفرد في العدد، والوحيد هو الفرد في النوع. فبطرس مثلاً واحد، لكنه ليس وحيداً، لأن هناك كثيرين مثله من بني جنسه. أما اللّه أو اللاهوت، فواحد ووحيد، لأنه ليس له نظير على الإطلاق.
  2. ولو كان المراد بالتثليث، أن هناك ثلاثة أجزاء في اللّه، أو ثلاثة عناصر فيه، أو أن هناك ثلاثة أشكال له، لكان هناك أيضاً مجال للطعن في صحته، لأن اللّه يكون في هذه الحاله مركّباً، والحال أنه غير مركّب. لكن الأمر ليس كذلك، لأن الأقانيم ليسوا أجزاء في اللّه، أو عناصر فيه، أو أشكالاً له، بل أنه كما ذكرنا آنفاً، هم تعيُّنه، أو بتعبير آخر هم عين ذاته، لأن تعيُّن اللّه ليس شيئاً سوى ذاته. ولذلك فالتثليث لا يتعارض مع حقيقة عدم تكوّن اللّه من أجزاء أو عناصر، بل يتوافق معها أيضاً كل التوافق.

مما تقدم، يتضح أن الكتاب المقدس يعلن لنا بالتثليث، أن الله لا شريك له، لأنه ينص على أن الأقانيم هم ذات الله، وليسوا كائنات غيره أو معه. وأنه أيضاً لا تركيب فيه، لأنه ينص على أن الأقانيم هم عين ذاته، وليسوا أجزاء أو عناصر فيه، أو صوراً أو أشكالاً له. ولذلك ليس هناك مجال للطعن في عقيدة التثليث على الإطلاق. فضلاً عن ذلك فإننا إذا تأملناها مليّاً، وجدناها على أعظم جانب من الأهمية، للأسباب الآتية:

  1. إنها البيّنة على أن اللّه مع تميّزه بصفات وعلاقات متكاملة، ليست وحدانيته الوحدانية المجردة أو الوهمية، كما اضطر إلى القول بذلك رجال الفلسفة الذين نزَّهوا اللّه عن كل شيء سوى اسمه، بل الوحدانية الحقيقيّة التي هو بها ذو كيان حقيقيّ أو وجود حقيقيّ.
  2. إنها البيّنة على أن اللّه مع تميّزه بصفات وعلاقات متكاملة، ليست وحدانيته الوحدانية الشكلية التي تبدو واحدة في ظاهرها، لكنها في حقيقة الأمر مركّبة من عناصر أو أجزاء مثل وحدانية المخلوقات، بل هي الوحدانية الجوهريّة التي تثبت أنه – مع تميّزه بمميزات خاصة، لا يوجد فيه تركيب أبداً.إن وحدانيّة المخلوقات جميعاً، هي وحدانيّة شكلية أو ظاهرية، لأن كل مخلوق مكون من عناصر أو أجزاء. والمكون من عناصر أو أجزاء، لا تكون وحدانيّته وحدانيّة بمعنى الكلمة. قال أرسطو: «إن تركيب الجسم الطبيعي من عدة مواد يبطل وحدته» (تاريخ الفلسفة اليونانية ص ٧٤) – وإذا كانت الذرّة نفسها، التي لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء، مكوَّنة كما يقول العلماء من بروتنات ونيوترنات والكترونات، كان اللّه مع تميّزه بمميزات خاصة، هو وحده الذي لا تركيب فيه بأي وجه من الوجوه.ولذلك كان اللّه هو وحده الذي مع جامعيّته، متوافق مع ذاته كل التوافق الذي يليق بكماله واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود – أما الإنسان (مثلاً)، فانه مع وحدانيّته، معرَّض للنزاع الداخلي بينه وبين نفسه، لأنه مكوَّن من عناصر مختلفة – (هي الجسد والنفس والروح). وقد شهد بهذه الحقيقة الكثير من العلماء، فمثلاً قال سادلر: «لو كان الإنسان وحدة مستقلة منسَّقة، لما كان للصراع النفسي وجود فيه» (العقل الباطن ١٠٤).
  3. إنها لا تدع مجالاً لأية مشكلة من المشكلات الفلسفية أو الدينية التي تقوم في وجه الذين يؤمنون أن وحدانية اللّه هي وحدانية مجردة أو مطلقة، لأنها تبيّن لنا أن اللّه، مع تفرُّده بالأزلية، كان ولا يزال مستغنياً بذاته عن كل شيء كل الاستغناء. كما أنه لم يتعرض لأي تطور أو تغيُّر بسبب خلقه للعالم ودخوله في علاقة مع كائنات لم يكن لها وجود من قبل، لأنه بسبب كونه ثلاثة أقانيم، تكون صفاته بأسرها فاعلةً، منذ الأزل الذي لا بدء له إلى الأبد الذي لا نهاية له، بصرف النظر عن وجود هذه الكائنات أو عدم وجودها، كما ذكرنا.

ولذلك فكون اللّه ثلاثة أقانيم، هو، إن جاز التعبير، من مستلزمات وجوده الذاتي وكماله التام.

نشر بتصريح من نداء الرجاء

https://call-of-hope.com/

You may also like