٥ – أسباب تفرض الوحدة على كنيسة كورنثوس (١كورنثوس ٤: ٦ – ٢١)
بعد أن تحدث الرسول بولس عن وجود أحزاب في كنيسة كورنثوس وبعد أن تحدث عن طبيعة الكرازة الناجحة، بدأ يحدثهم عن ضرورة الوحدة.
(أ) وضَّح لهم أن هناك معلمين غير صالحين وضعوا نفوسهم قبل المسيح، ووضعوا مصلحتهم قبل الكنيسة. وهؤلاء هم الذين أساءوا في كورنثوس. بينما الخادم الأمين هو الذي يضحي ويتعب من أجل المسيح (٤: ٦ – ١٣)
(ب) ثم يمضي الرسول يدعو أهل كورنثوس أن يحترموا سلطانه الرسولي لأنه أبوهم في الإيمان (٤: ١٤ – ٢١).
٦ فَهٰذَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ حَّوَلْتُهُ تَشْبِيهاً إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا أَنْ لا تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ، كَيْ لا يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ ٱلْوَاحِدِ عَلَى ٱلآخَرِ. ٧ لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟ ٨ إِنَّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ! قَدِ ٱسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضاً مَعَكُمْ! ٩ فَإِنِّي أَرَى أَنَّ ٱللّٰهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ ٱلرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِٱلْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَراً لِلْعَالَمِ، لِلْمَلائِكَةِ وَٱلنَّاسِ. ١٠ نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي ٱلْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلا كَرَامَةٍ! ١١ إِلَى هٰذِهِ ٱلسَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، ١٢ وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. ١٣ يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ ٱلْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ٱلآنَ (١كورنثوس ٤: ٦ – ١٣).
يقول الرسول بولس إن هناك قادة آخرين أثاروا التحّزُب وسببوا الانقسام. ولم يكن هو ولا أبلوس من ضمن أولئك. ولكن بولس لا يذكر أسماء الذين سّببوا التحزب.
يطلب الرسول بولس من أهل كورنثوس أن لا ينتفخوا على حساب أولئك القادة، فيقول واحد منهم إنه يتبع هذا أو ذاك. ويقول لهؤلاء القادة المخطئين «من يميّزك أنت على غيرك؟ أنت نلت كل شيء عندك من الله، فإنْ كنتَ قد أخذتَ من الله، فلماذا تفتخر كأنك أنت الذي جئت به من عندك؟» ويقول لهم إنكم قد افتخرتم لأنكم شبعتم واغتنيتم. ويقول: ليتكم شاركتمونا غناكم ومُلككم. فإن الله قد جعلنا نحن الرسل أدنى الناس منزلة، محكوم علينا بالموت علانية بمشهد من العالم والملائكة والناس. ويقول الرسول لهم: نحن حمقى من أجل المسيح أما أنتم فعقلاء في المسيح، نحن ضعفاء وأنتم أقوياء! ثم يمضي فيقول : أنتم مكرَّمون ونحن محتقرون، ولا نزال إلى هذه الساعة نعاني الجوع والعطش والضرب والعري والتشرُّد، ونتعب في العمل بأيدينا، ومع ذلك فإننا نردّ الشتيمة بالبركة، والاضطهاد بالصبر، والافتراء بالنصح. صرنا أشبه ما يكون بقذارة العالم ونفاية الناس جميعاً.
عندما يكتب الرسول بولس هذه الكلمات يوبخ سامعيه على الخطأ الذي ارتكبوه في حقه، فقد بدأوا يتبعون معلّمين خاطئين، فنفخَتْهم الكبرياء وصاروا في خطر السقوط والوقوع تحت دينونة الشيطان.
عزيزي القارئ، ماذا تتحمل أنت من أجل المسيح؟ يقول الرسول بولس إنه تحمل الكثير، وهذه هي علامة الشخص الأمين. فالأمين يتحمل في سبيل المسيح. لم يعِدْنا المسيح بحياة سهلة، وهو نفسه نموذجنا في ذلك، فقد تحمّل الكثير من المتاعب وقال لنا «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني». «في العالم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا قد غلبتُ العالم». يعيش كثير من المؤمنين في غنى وشبع ونجاح وينسون أن يشكروا الله الذي أنعم عليهم بهذه كلها. هل أنت موهوب؟ موهبتك من معطي المواهب. هل أنت صحيح الجسد قوي العضلات، ذكي التفكير، غني بالمال؟ عليك أن تقدم الشكر لله الذي أعطاك هذا كله. على أن كثيرين يسخرون من الذين يتألمون ويتعبون رغم أنهم يتألمون ويتعبون في سبيل المسيح. عليك يا عزيزي القارئ أن تشكر الله على ما أعطاك، وأن تتعلم أن تحترم الآخرين الذين لا يتمتعون بمثل ما تتمتع أنت به من خير وبركة. تُرى هل قادك المسيح الى غنى ونجاح في العالم، أو هل قادك إلى القناعة والبساطة؟ إن كان قد قدَّم لك متاعب فقد جاز في المتاعب قبلك. افتِقرْ في العالم واستْغِن بالله. اعتبر نفسك نفاية فتصبح ذهب السماء! إن الذي يسلك في المسيح يهجر مقاييس العالم، لأنه يشترك في حياة الله. والاتحاد بالمسيح المخلص أعز علينا من كل كنوز الدنيا وحكمتها، والثبات في المسيح المصلوب يجعل ثمر الروح القدس يفيض منا.
«إِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (١كورنثوس ٤: ٧)
أيها الرب أغفر لي روحي المتكبر. طهرني من كل خطية أعرفها أو أجهلها، واجعلني خادماً حكيماً لكل الناس فتظهر فضائلك في سلوكي، وأصبح أميناً في محبة الرجاء وقوة الإيمان. اغفر لي طموحي إلى الشرف والمال، وعلمني أن أتبعك في بساطة وقناعة. علمني أن أحب أعدائي وأن أغفر لكل مبغضىَّ. لتحرق نارك المقدسة عيوب أنانيتي.
١٤ لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهٰذَا، بَلْ كَأَوْلادِي ٱلأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ. ١٥ لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ ٱلْمُرْشِدِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ، لٰكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ بِٱلإِنْجِيلِ. ١٦ فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي. ١٧ لِذٰلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، ٱلَّذِي هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ وَٱلأَمِينُ فِي ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي ٱلْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ. ١٨ فَٱنْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِياً إِلَيْكُمْ. ١٩ وَلٰكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعاً إِنْ شَاءَ ٱلرَّبُّ، فَسَأَعْرِفُ لَيْسَ كَلامَ ٱلَّذِينَ ٱنْتَفَخُوا بَلْ قُّوَتَهُمْ. ٢٠ لأَنَّ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ لَيْسَ بِكَلامٍ، بَلْ بِقُّوَةٍ. ٢١ مَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَبِعَصاً آتِي إِلَيْكُمْ أَمْ بِٱلْمَحَبَّةِ وَرُوحِ ٱلْوَدَاعَةِ؟ (١كورنثوس ٤: ١٤ – ٢١)
في نداء عاطفي ودّي كأبٍ في المسيح، يطلب الرسول بولس من أهل كورنثوس أن يحترموا سلطته الرسولية، لأنه أبوهم المحب في المسيح، ولأنه كان واسطة اهتدائهم. كما يطلب منهم أن يقبلوا تيموثاوس مبعوثه إليهم بالاحترام المطلوب. ويمضي بولس ليوضح لهم أن اهتمامه بهم ليس قاصراً عليهم وحدهم، فهو يعلِّم في كل مكان وفي كل كنيسة. ثم يمضي الرسول فيقول إنه يريد أن يزور كورنثوس قريباً ليعرف ما هو الذي يفعله المعلّمون المتكبرّون وليس ما يقولونه، فليس ملكوت الله كلاماً بل عملاً. وهو يسألهم «أيهما تفضلون: أن أجئ إليكم بالعصا أم بالمحبة وروح الوداعة؟»… هذه مداعبة رقيقة من بولس لأبنائه في الإيمان. إنه يقول لهم: قد يكون لكم في المسيح عشرة آلاف مرشد، ولكن ليس لكم آباء كثيرون، فإنني أنا أبوكم الذي ولدتكم في المسيح يسوع ببشارة الإنجيل التي حملتها إليكم، فأناشدكم أن تقتدوا بي.
عزيزي القارئ، المبشرون الناجحون بالإنجيل هم الآباء الروحيون، لأن بواسطة تقديمهم كلمة الإنجيل يتجدد الناس وينالون الحياة الأبدية. إن يسوع هو المخلص الوحيد، لكن هؤلاء الكارزين هم آلة المسيح لتوصيل رسالته الى الناس.
أبانا السماوي نشكرك من كل قلوبنا لأنك استخدمت آباء لنا يوصّلون لنا كلمتك ويُعلنون لنا حبّك ويلدوننا في المسيح يسوع بالإنجيل. نشكرك من أجلهم، ونطلب أن تمنحهم النعمة والأمانة والبركة ليواصلوا خدمتهم حتى يستطيعوا أن يقولوا لنا: كونوا متمثّلين بنا. فبفضل الأمانة التي تمنحها لهم يمكن أن نتمثل بهم. ولكننا يا أبانا نطلب أن تثبت عيوننا عليك وحدك، فإنك مصدر خلاصنا. وعلّمنا أن نمارس المحبة والطاعة لك، فليس الكلام هو المهم لكن الطاعة لك.