الفصل الثالث: في موضع كتابتها
لنا مما قيل في زمن كتابتها أن موضع تلك الكتابة هو قيصرية حيث سجن بولس. ويتضح من كلام البشير أنه كان له عند كتابته كل الوسائط للبحث عن كل ما يتعلق بحياة المسيح الأرضية ولمواجهة الناس الذين شاهدوا واختبروا.
قال لوقا في مقدمة بشارته ما خلاصته أنه كان مؤلفات كثيرة في سيرة المسيح ويظهر من كلامه أن تلك المؤلفات كانت ناقصة غير موثوق بها وأنه استفرغ المجهود في الوقوف على حقيقة الأمر وكمال الحوادث. وهذا يدلنا على أنه لم يقف على بشارتي متّى ومرقس وإلا كان أدخل في بشارته الحوادث التي ذكراها لأن ذلك وفق قصده الذي أعلنه. ولا يمكنه أن يكون قد أخذ عما كتبه يوحنا لأن يوحنا كتب بعده. ولم يدّع أنه شاهد عين بما أنبأ به من الحوادث لكنه صرّح بأنه بحث عن ذلك ممن كانوا شهود عين ووقفوا على اليقين.
واتفق المؤرخون المسيحيون الأولون أن لوقا كتب بإرشاد بولس الرسول وتعليمه ولا ريب في أنه استفاد كثيراً من تعاليم بولس لأنه كان رفيقاً له وأن في بشارته خلاصة تعاليم ذلك الرسول فإذاً هي مبنيّة على أساس رسولي. ولكن لا سبيل إلى الحكم بأن معرفته كانت مقصورة على ما أخذه عن بولس وحده. ومقدمة بشارته تحقق لنا أنه أخذ عن شهود كثيرين. ولا عجب من أنه أخذ ما أنبأ به في الأصحاحات الثلاثة الأولى عن مريم أم يسوع نفسها أو عن الذين سمعوه منها والأرجح أنه كتب هذه البشارة في قيصرية كما ذكرناه. والمسافة بين هذه المدينة وأورشليم قريبة فلم تكن مما يمنعه من أنه يذهب إلى أورشليم ويخاطب مريم في أثناء السنتين اللتين كان يقيم فيهما بقيصرية.
وأكثر ما تظهر المشابهة بين تعليم لوقا وتعليم بولس في الكلام على العشاء الرباني (قابل لوقا ٢٢: ١٩ و٢٠ مع ١كورنثوس ١١: ٢٣ – ٢٥ وقابل أيضاً لوقا ٢٤: ٢٦ و٢٧ مع ١كورنثوس ١٥: ٣).
وكل ما ذكرناه من مصادر بشارته لا يقدح في أنه كان ملهماً بالروح القدس ولا يغنيه عن الإلهام.