الفصل الأول: في الكاتب
كاتب هذه البشارة لوقا واسمه هذا مختصر لوقانوس أو لوسليوس. ذُكر في الرسائل ثلاث مرات (كولوسي ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤). وهو كاتب سفر أعمال الرسل. قال بعضهم أنه لم يكن يهودياً أصيلاً بل ممن هادوا من الأمم وسُموا دخلاء لأن بولس عندما ذكر أصحابه في رومية الذين من الختان أصلاً والذين ليسوا من الختان كذلك لم يذكر لوقا مع الأولين بل ذكره مع الآخرين (قابل كولوسي ٤: ١١ مع كولوسي ٤: ١٤). ولنا عدة أدلة على أنه كان دخيلاً. منها أنه كان عالماً بكل عوائد اليهود وطقوسهم. ومنها أن اليهود عندما هيّجوا الشعب على بولس في أورشليم إنما أتوا ذلك لأنه أدخل معه واحداً من الأمم وهو تروفيموس الأفسسي (أعمال ٢١: ٢٧). ولكن لوقا كان معه ولم يعترض أحد عليه بشيء من شأنه ولو لم يكن دخيلاً مختتناً لم يسكتوا عنه.
وكان طبيباً كما ظهر من قول بولس لأهل كولوسي (كولوسي ٤: ١٤) ولم يكن شاهد عين بما ذكره في إنجيله ولا خادماً للإنجيل من أول انتشاره بدليل ما جاء في كلامه (لوقا ١: ٢) وإلا كان قد بنى ما ذكره على مشاهدته.
ولم يُعلم متى تنصّر ولا على يد من تنصّر. وأول ذكره في الكتاب كان عند اجتماعه ببولس في ترواس (أعمال ١٦: ١٠). ومن ثم رافقه إلى مكدونية. ولم يُصرّح هنالك باسمه بل بضمير المتكلم خلافاً لما في إنبائه قبلاً كقوله «طلبنا أن نخرج إلى مكدونية». وظن بعضهم أن بولس أرسله قبلاً إلى ترواس للتبشير لأنه لم يذكر نبأ تنصره هنالك ولأنه كان يعتمده كسائر رفقائه المؤمنين. بقي لوقا مع بولس كل مدة إقامته بفيلبي ولم يزل باقياً في فيلبي مدة سفر بولس عنها بدليل أنه عدل في كلامه على ذلك السفر عن صيغة التكلم إلى صيغة الغيبة خلافاً لما سبق من كلامه في ترواس إلى بلوغه فيلبي (أعمال ١٧: ١).
ثم رافق بولس عند خروجه من فيلبي بعد رجوع بولس إليها في سفره الثالث (أعمال ٢٠: ٥). فالظاهر أن لوقا بقي مبشراً في فيلبي من سفر بولس الثاني إلى سفره الثالث وذلك نحو سبع سنين أي من ٥١ – ٥٨ م.
ورافق بولس إلى ميليتس وصور وقيصرية وأورشليم (أعمال ٢٠: ٥ و٢١: ١٧ و١٨).
قال بولس في ما كتبه إلى أهل كورنثوس «أَرْسَلْنَا مَعَهُ ٱلأَخَ ٱلَّذِي مَدْحُهُ فِي ٱلإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ ٱلْكَنَائِسِ. وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْضاً مِنَ ٱلْكَنَائِسِ رَفِيقاً لَنَا فِي ٱلسَّفَرِ» (٢كورنثوس ٨: ١٦ – ١٩). وفي ملحق هذه الرسالة في اليونانية ما ترجمته «أرسلت من فيلبي على يد تيطس ولوقا» فيكون لوقا هو الأخ المشار إليه. وكان مع بولس مدة سجنه في قيصرية وهي نحو سنتين (أعمال ٢٤: ٢٣). ورافق بولس وهو منطلق أسيراً إلى رومية (أعمال ٢٧: ١ و٢٨: ١٦). وبقي معه كل مدة سجنه الأول (كولوسي ٤: ١٤ وفليمون ٢٤). وإذا حسبنا أن بولس كتب رسالته الثانية إلى تيموثاوس في مدة سجنه الثاني في رومية كما هو المرجح نتج أن لوقا بقي مع بولس إلى نهاية جهاده (٢تيموثاوس ٤: ١١). وليس لنا اليقين من خبره بعد موت بولس.
وخلاصة معرفتنا من جهته أنه هو «الطبيب الحبيب» (كولوسي ٤: ١١). وأنه الصديق المخلص لبولس وشريكه في أتعابه وآلامه. وكاتب البشارة الثالثة وسفر أعمال الرسل. وأما قول بعضهم أنه وُلد في أنطاكية وأنه أحد السبعين الذين أرسلهم المسيح للتبشير وأنه كان أحد التلميذين اللذين رافقهما يسوع بعد قيامته إلى عمواس وأنه كان مصوراً علاوة على ما ذُكر وأنه مات شهيداً في بلاد اليونان فلا دليل عليه.
كُتبت هذه البشارة قبل خراب أورشليم لأن الأصحاح الحادي والعشرين منها كُتب نبوءة بخراب أورشليم لا تاريخ أمر مضى. وكُتبت قبل سفر أعمال الرسل (أعمال ١: ١). والأرجح أن سفر الأعمال كُتب مدة سجن بولس في رومية لأن تاريخ بولس ينتهي بذكر نهاية ذلك السجن (أعمال ٢٨: ٣٠ و٣١) وكان ذلك سنة ٦٣ م. والنتجية أن هذه البشارة كُتبت بين سنة ٥٨ و٦٠ م.