قال المعترض: «الفاضل نورتن من علماء المسيحية، وقال إنه لا يوجد فرقٌ يُعتدُّ به بين لغة التوراة ولغة سائر كتب العهد القديم التي كُتبت زمن إطلاق بني إسرائيل من سبي بابل، مع أنه بين هذين الزمانين 900 سنة، واللغة تختلف باختلاف الزمان. وإذا قسنا حال اللغة الإنجليزية الآن بما كانت عليه من 400 سنة وجدنا فرقاً كبيراً. ولعدم وجود فرق بين لغة الكتب المقدسة، تكون كلها قد كُتبت في زمن واحد».
وللرد نقول: يقتبس المعترض أقوال المنحرفين عن العقيدة المسيحية وينسب إليهم الفهم والعِلم. وقد قرر العلماء العارفون باللغة العبرية أن لغات الأسفار المقدسة متفاوتة تفاوتاً عظيماً بحسب الزمان والمكان، وقسموا أدوارها إلى أربعة عصور:
(1) من عصر إبراهيم إلى عصر موسى، عندما دخلت ألفاظ مصرية وعربية إلى اللغة الأرامية.
(2) من عصر موسى أو عصر التوراة إلى عصر سليمان، بلغت اللغة غاية الإتقان.
(3) من عصر سليمان إلى عصر عزرا، صارت اللغة رشيقة بليغة ودخلتها اصطلاحات أجنبية.
(4) من عصر عزرا إلى آخر عصر المكابيين، كانت لغة التوراة متفاوتة باختلاف هذه العصور.
ولما قارن العلماء المتخصصون في اللغة العبرية بين أجزاء التوراة وبعضها، وجدوا تفاوتاً في أساليب الكتابة، فقرَّروا أن بعضها كُتب في عصر اللغة الذهبي، وبعضها الآخر في عصرها الفضي، والآخر في عصرها النحاسي، مما يدل على أنها كُتبت في أزمنة مختلفة. ولهذا السبب جزم العلماء بأن أسفار موسى الخمسة لم تُكتب في زمن داود، ولا مزامير داود النبي كُتبت في زمن النبي إشعياء، ولا نبوّات إشعياء كُتبت في زمن النبي ملاخي. وجزموا بأن نبوات ملاخي كُتبت بعد سبي بابل، لأن اللغة العبرية بعد السبي انحطت، وكانت مؤلفات بني إسرائيل بعد ذلك العصر كلدية أو يونانية، وعجز بنو إسرائيل قبل المسيح عن فهم اللغة العبرية بدون تفسيرها باللغة الكلدية.
من كتاب شبهات وهيمة حول الكتاب المقدس
للقس الدكتور منيس عبد النور