من كتاب كلمات المسيح السبع على الصليب
الكلمة الرابعة
«وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِيلِي إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي» (أَيْ: إِلهِي إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)» (متى ٢٧: ٤٦)
هذه كلمة عميقة رائعة نطق بها المخلِّص بعد أن تعلَّق على الصليب ست ساعات عصيبة، على رأسه إكليل من الشوك، وفي ظهره أخاديد من آثار السياط، ويداه ورجلاه مثخنة بالجراح. وكلما وهنت قواه وثقُل جسمه زادت ثقوب المسامير اتساعاً، حتى صار كل جسمه يقطر دماً من هامة الرأس إلى أسفل القدم!
وكانت الشمس في الثلاث ساعات الأولى مشرقة كعادتها، وأصوات الجماهير الهائجة تشق عنان السماء، والأغلبية الساحقة يهزأون به، وفئة قليلة تنوح عليه. فكان تارة يصلي لأجل المسيئين، وأخرى يواسي النائحين! غير أنه في منتصف النهار أسدلت الظلمة ستارها الكثيف فصمتت الألسنة وهدأت الأصوات وسكنت الحركات ثلاث ساعات! وكان المخلِّص في هذا السكوت الرهيب المستوحش يعاني آلاماً نفسية مبرحة، غير ما كان يعانيه من ألم الصلب وعاره. كانت آلامه دفينة لم تُر ولن ترى لأن الظلمة سترتها عن عيون البشر. ولكنها كانت آلاماً شديدة لا تماثلها فواجع الحرب الضروس، ولا تحاكيها أهوال الطبيعة الثائرة! آلاماً ذاب في تنّورها فؤاده الكبير كما يذوب الشمع أمام النار! آلاماً سرية من يد الآب، لا يدركها عقل ولا ينطق بها لسان! وما جاءت الظلمة الدامسة تعمُّ الأرض كلها، إلا لتعلن في ثوب الحِداد أن سيد العالم يكابد آلام الموت الكفاري، ويعاني وحده قصاص الخطية كنائبٍ عن البشر! ولم يدُمْ هذا المنظر العجيب الرهيب أكثر من ثلاث ساعات، فما انبلج النور حتى تنفَّس المخلّص الصُّعداء وصرخ بصوت عظيم: «إلهي إلهي لماذا تركتني»؟!
صرخ بصوت عظيم ليعبّر عن مرارة نفسه التي لا يمكن أن تبرز ليشعر بها الحس! وكانت صرخته بلغةٍ عامية، ليسكب شكواه القلبية بسهولة وطلاقة. واقتبسها من المزمور الثاني والعشرين، ليعلن مِن على الصليب أنه هو ذاته المسيا المنتظر.
وإذا تأملنا بخشوعٍ في تفاصيل هذه الكلمة، نرى أننا في قدس أقداس التعليم المسيحي، فهي تشتمل على سؤال عظيم، يحوي أسراراً عميقة، تعلّمنا دروساً قيِّمة.
سأل المسيح، وهو يحتمل العقاب المريع من يد الآب: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» فقد كانت العقوبة أشد ما تكون صرامة، والمُعاقِب هو نفس الآب القدير المحب، والمُعاقَب هو الابن المعزز البار، وسبب العقوبة ذنب جناه غيره!
عجباً! لماذا تركتني؟ ولماذا تصل العقوبة إلى حدّ الترك وكسر الشركة المقدسة!؟ يهون عليّ أن أصل إلى حضيض الفاقة، فأُجرَّد من الثياب وأعطش إلى نقطة الماء. ويسهل عليّ أن ألاقي خيانة الأصحاب وظلم الأعداء أشكالاً وألواناً. وتصغُر لديَّ القيود والبصق في الوجه والجَلد والصَلب. حتى الموت الزؤام لا أحسب له حساباً! ولكن كيف أحتمل أن وجهك لا يسير معي؟ وهل في الكون أو ما وراء الكون عقابٌ أشرّ من النفي من حضرتك والحرمان من رضاك؟ لماذا تسقيني كأساً هي خلاصة الجحيم وعصارة الغضب الإلهي؟ لماذا تملأ كأس الغضب إلى التمام فأشربها حتى الثمالة؟ أليس في هذا حزنٌ تنفطر له المرارة، وغمٌّ يُذيب الفؤاد؟ لماذا تسمو إلى قمة المباهج بينما أنا أهوى إلى وادي الأحزان العميق؟ أجل! سرورك أن تسحقني بالحزن، فقد رفضَتني الأرض لأني بلا خطية، ولكن أنت رفضتَني إذ صيَّرتني خطية، فجعلتَني تحت العقاب صورة العيوب ومجتمع القبائح! لماذا تهوي بي إلى هذا الدرك الأسفل، وتُقصيني عنك إلى هذا الحد الأبعد؟
عجباً! لماذا تركتني أنت؟ لماذا يدك يا إلهي وأبي تستل الحسام على ابن محبتك وتوقظ السيف على رجل رفقتك؟ لماذا تجفوني ويصير نزوعك إليّ نزوعاً عني؟ لماذا لا تلطف بي وتعطف عليّ؟
لا عتب على يهوذا إذ خانني، ولا بطرس إذ أنكرني، ولا قيافا إذ أسلمني، ولا بيلاطس إذ حكم عليّ، ولا الملائكة إذ أحجموا عن مساعدتي، ولكن أنت إلهي إله الأمانة، الذي تربطني وإياك أواصر البنوية. أنت يا مَن أحببتني قبل إنشاء العالم، لماذا تقلب لي ظهر المجن فتمزق سهامك أحشائي؟ لماذا تقطع عني العون والمدد وتحجب وجهك عني؟ لماذا تركتني أنا؟ ألستُ أنا حبيبك الذي سُرَّت به نفسك؟ ألم أعمل كل حين ما يرضيك؟ ألم أُظهر اسمك للعالم؟ ألم يكن طعامي أن أعمل مشيئتك؟ ألستُ في حالةٍ تتوجّع لها القلوب، فلماذا تحبس عني رحمتك وتزيد جرحي إيلاماً؟ كيف لا يصل الابن إلى درجة العبد، فالشهداء تُمزَج آلامهم بالتعزيات، لكن ابنك يخلو من التعزية! كيف المحبوب لا يُحَب، وخاصتك يُنفَى من أمام وجهك؟ كيف يُغطي الهوان أعزَّ عزيز لديك، وكيف النور يكسوه الظلام! كيف ينوء مُريح التعابى تحت حمل الأثقال، وكيف يئنّ مُجفّف دموع الحزانى متوجعاً؟
عجباً، لماذا! لِمَاذا كل هذا؟
لا يقدر الخاطئ إذا وقع تحت القصاص أن يسأل: «لماذا» لأنه عارفٌ بخطيته، وأما ابن الله فله أن يسأل لأنه قدوس بلا شرٍّ ولم يرتكب جُرماً. فهل لأجل ترابٍ صاروا هدفاً للحب الأبدي يصير هو هدفاً للقصاص الصارم؟ وهل لأجل أن يصير الناس موضع إعزاز الآب، يُهين الآب ابنه؟
الحق يقال إن هذا سؤال عظيم يدعو لكشف غوامض لم نكن نعرفها!
لا شك أن المسيح عرف السبب الذي لأجله قدم سؤاله، ولكنه سأل لنعرف نحن الأسرار العميقة التي يحتويها. فإذا كان الصليب هو الحق الأساسي للعهد الجديد، فإن هذا السؤال هو قلب هذا الحق وأعمق تصريحاته. هو الصبح وضوحاً وبياناً في إظهار أسرار التأنّس، والكفارة، والمحبة، والخطية. وهي الحقائق الأربع التي تُعتبر تعاليم الصليب الجوهرية.
فمناداة المسيح «إلهي إلهي» وهو الرب الإله، تدل دلالة بيّنة على سرّ تجسده وخضوع الناسوت للاهوت.
وصرخته «لماذا تركتني؟» تعلن في وضوح محبته الفائقة التي جعلته يصنع كفارة عن خطية الإنسان بحرمانه مؤقّتاً من رضا الآب، ليردّنا إلى شركة الطبيعة الإلهية.
برهن المسيح على أنه الإله المتأنّس بصفاته الخالية من كل عيب، ومعجزاته الفائقة الطبيعة، وتعاليمه الفوق بشرية، وملكوت السماء الذي أسسه على الأرض، ودخوله للعالم وخروجه منه بطريقة خارقة للعادة. ولا نجد حلاً معقولاً للغز الكون إلا في الله، ولا نجد حلاً للغز الله إلا في المسيح، ولا نجد حلاً للغز المسيح إلا في الصليب، الذي فيه وحده سد إعواز الطبيعة البشرية وبلوغها إلى درجة الكمال. فالمسيح إله تام وإنسان تام بلا انفصال ولا امتزاج فهو «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تيموثاوس ٣: ١٦) وهو «صورة الله آخذاً صورة عبد» وهو الذي «وضع نفسه في الهيئة كإنسان» (فيلبي ٢: ٥-٨). فكإنسانٍ تعبّد لله وخضع لرئاسته وتمم إرساليته وتألم ومات، ولكنه كإلهٍ مساوٍ للآب في الجوهر، لا يكل ولا يعيا أبد الدهور. فالألم وقع فقط على الناسوت، ولأن اللاهوت لم يفارقه لحظة ولا طرفة عين صرح الإنجيل أن الترنيمة السماوية تقول: «ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤيا ٥: ٩) ودعا الإنجيل المسيح عمانوئيل الذي تفسيره «الله معنا» (متى١: ٢٣).
ما كنا نعلم أن الله كريم لدرجة أن يسخو بنفسه فينوب عن البشر في حمل خطاياهم! ولكن بعد أن رأينا المصلوب وسمعنا صراخه، نؤمن ونقرّ أنه سمح لجسده المبارك أن يُسمَّر على الصليب حتى يسمِّر عليه صكّ خطايانا. ونؤمن أيضاً أنه حمل على نفسه اللعنة التي نستحقّها ليملأنا ببركاته. لقد وضع نفسه وقبل أقسى جزاء على النفس والجسد معاً عندما صرخ: «إلهي لماذا تركتني؟» ليقدم ترضية للعدل الإلهي نيابة عنا.
وعمل المسيح النيابي هذا حق صريح يعلنه الكتاب وتدعمه الطبيعة ويؤيده التاريخ البشري.
أما الكتاب فبكل تاريخه وطقوسه ونبوّاته وتعاليمه يشير إلى مبدأ «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ» (عبرانيين ٩: ٢٢).
أما الطبيعة فنواميسها وظواهرها تدل على العمل النيابي. قال أحد علماء الطبيعيات: «الأرض مبنية على أفكار روحية مركزها الفداء بذبيحة نيابية، فالمرجان يموت ليبني الصخور، والصخور تتفتَّت لتكوِّن التربة، والتربة تتحلل في عناصر العالم النباتي، والنبات بدوره يقدم ذاته للعالم الحيواني، وكلاهما يبذل نفسه للإنسان».
ونلاحظ في نظام البشر العمل النيابي، فالآباء ينوبون عن أبنائهم، والنواب السياسيون عن دوائرهم، والمحامون عن موكليهم. فلا شك إذاً في ضرورة وجود عمل نيابي لخلاص البشر الخطاة، ولم يَقْوَ عودٌ على رفع راية الخلاص إلا عود صليب المسيح «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (١بطرس ٣: ١٨).
هيا إلى شاشة الصليب الحمراء أيها القارئ فتقرأ في وجه المسيح صورة الحب، وترى على محيَّاه آية التضحية! وما أدراك ما هذا الحب الذي يسمو فوق السماء! «الله محبة» وقد تكشفت هذه المحبة في أنه «لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لا يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ» (رومية ٨: ٣٢)!؟ في هذا نرى المحبة، ولكن أذهاننا لا تسبر غورها، ولا تبلغ أبصارنا مداها. ففي الصليب نكتشف سِرّ الحب، ونستخرج من معدنه ذخائر التضحية. فهناك نرى خالقاً سامياً يسخو بنفسه لأجل جبلةٍ ساقطة! يا للاكتشاف! هكذا أحب الله العالم، حباً جرت قنواته لتروي الحياة البشرية وتتغلغل في كل نواحيها، فتثمر أطيب الثمرات!
«فِعْلُ ٱلرَّذِيلَةِ عِنْدَ ٱلْجَاهِلِ كَٱلضِّحْكِ» (أمثال ١٠: ٢٣) ولكن لا نكتشف حقيقة الرذيلة وخطرها إلا إذا سألنا: لماذا الصليب؟ وكفاها خطراً أنها عندما حُسبت على المسيح لم تُترك وشأنها، ولم تُعامل بتساهل، بل حمل في شخصه الكريم قصاصها المريع، فحجب الآب وجهه عن ابنه المبارك! لقد كشف الصليب حقيقة البر وحقيقة الشر، وأوضح بحروفٍ من نار أن الخطية شرّ أعظم من أن تداويه يدٌ بشرية، ومثَّل على مسمعٍ من كل البشر كم «مُخِيفٌ هُوَ ٱلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ ٱللّٰهِ ٱلْحَي» (عبرانيين ١٠: ٣١). فإن كان المخلِّص سقط تحت حمل الدينونة، فماذا يعمل الخاطئ المنفيّ عن الرحمة الإلهية؟ إن الخاطئ في يوم الضيق أو ساعة الوفاة تكون لديه الأرض بخيراتها خدعةً وسراباً، والآخرة عذاباً وفناءً.
ولكن عندما يضيء الله بمجده الأبدي على الأبرار في السماء يتطلع الخاطئ بحسرة أبدية دون أن يجد رحمة أو عزاء. فالخطية ليست شيئاً هيناً وليست هي مجرد تعد على قانون، بل هي ثورة ضد الله سبحانه، ومعارضة لمشيئته وإتلاف لصورته فينا «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ فَسَيُفْسِدُهُ ٱللّٰهُ» (١كورنثوس ٣: ١٧).
لم يتألم السيد لينوب عنا فقط، بل ليرسم لنا خطة عملية نقتفي فيها أثره ونجري على أسلوبه. فمن الشرف الأعظم والامتياز الأسمى أن نحذو حذوه وننسج على منواله، وذلك فيما يأتي:
قبِل المسيح آلامه جميعها طواعيةً واختياراً، فأقبل على الصليب بثبات، وكان بين المعذَّبين أسلس من الماء وألين من أعطاف النسيم. وقابَل ترْك الآب له بصلاةٍ سكبها من معدن طبيعته البنويّة، وصاغها من نصوص التوراة، وهي لغة أبيه، ملتصقاً بثباتٍ بالآب الذي تركه. فلماذا لا تتسع صدورنا لِما يوهب لنا من ألم، فإن الله أحياناً يضع علينا صليباً معيَّناً ليعلّمنا الصبر ويدربنا على الطاعة، فقد «وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ لا أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ» (فيلبي ١: ٢٩). وهناك فرق عظيم بيننا نحن الذين نترك الله لنفتش على الخطية، وبين الله الذي يتركنا أحياناً ليمتحن إيماننا ويصقل محبتنا. فإذا كثرت في داخلنا الهموم، وأضنت أجسامنا الأسقام، وتخلّى عنّا الأهل والأصحاب، وانقطعت عنا كل مساعدة وتعزية، فلننظر إلى المسيح، فهو شريك لنا في بأسائنا «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّباً يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ ٱلْمُجَرَّبِينَ» (عبرانيين ٢: ١٨).
صرخ المسيح إلى الله، وهذا يعلّمنا أن وقت ضعفنا هو وقت ظهور أعمال قوة الله. فعندما نتصوَّر بُعد الله عنا نجد أنه في الحقيقة هو وقت قُرب الله منا، ما دمنا ندعوه كما دعاه المسيح «إلهي». فهو لا يتخلى عن الذين هم له. فلم توجد ساعة كان المسيح فيها أحب إلى الله أكثر من تلك الساعة التي كان فيها يفدي ملايين البشر. من أجل هذا استمع له ولم يترك نفسه في الهاوية. لقد سلّم المسيح أمره إلى الله. لم ينزل عن الصليب، ولم يعمل معجزة كان في سلطانه أن يعملها ليعزي نفسه، ثم لم يشْكُ من خيانة الأصحاب ولا من قسوة الأعداء، بل شكا للآب أنه تركه، ثم فوّض الأمر كله له.
ونحن إذا تألمنا، فلنتأكد أنه لا تسقط شعرة من رؤوسنا إلى الأرض بدون إذنه (متى ١٠: ٣٠ ولوقا ١٢: ٧). وعلينا أن نبثّ شكوانا لله تعالى فقط وليس للناس. فالمعذَّب الحكيم يشكو عذاباته للقاضي وليس للجلاّد، والمريض الذكي يشكو مرارة الدواء للطبيب وليس لزميله المريض، والجندي الشجاع يُظهر جروحه لقائده وليس للأعداء.
لا يوجد ما يُخجِل كبرياء البشر أكثر من اتضاع المسيح. فليتنا بدل أن نرتدي ثوب الكبرياء أن نقف إلىجوار الصليب، فتتضاءل لدينا أنفسنا ولا نتجاوز حدودنا «لَيْسَ ٱلتِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ ٱلْمُعَلِّمِ، وَلا ٱلْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ» (متى ١٠: ٢٤).
ألا تثير أنّات المسيح وصرخاته مشاعرنا وأحاسيسنا؟ وهل نرفض بعض الدموع التي نتكلّفها في طريق خدمته وهو الذي لأجلنا بذل نفسه؟ لقد حمل خطايانا المعيبة، فهلاّ نحمل نحن أثقال الآخرين ونضع أعناقنا تحت نير خدمتهم؟ يقول لك المسيح الذي علمنا التضحية، وفجر لنا ينابيع البذل والعطاء: «اتبعني». فمن يقول له: ها أنا يارب، أرسلني في خدمتك؟ (إشعياء ٦: ٨).