نص لوقا 2: 8-20
2 :8 و كان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم
2 :9 و إذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما
2 :10 فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب
2 :11 انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب
2 :12 و هذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود
2 :13 و ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله و قائلين
2 :14 المجد لله في الأعالي و على الأرض السلام و بالناس المسرة
2 :15 و لما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم و ننظر هذا الامر الواقع الذي اعلمنا به الرب
2 :16 فجاءوا مسرعين و وجدوا مريم و يوسف و الطفل مضجعا في المذود
2 :17 فلما راوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي
2 :18 و كل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة
2 :19 و اما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها
2 :20 ثم رجع الرعاة و هم يمجدون الله و يسبحونه على كل ما سمعوه و راوه كما قيل لهم
تفسير الكتاب المقدس لوقا 2 : 8-20
الملائكة والرعاة ع ٨ إلى ٢٠
٨ «وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ ٱللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ».
فِي تِلْكَ ٱلْكُورَةِ أي في الأرض المجاورة لبيت لحم.
رُعَاةٌ الأرجح أن هؤلاء الرعاة كانوا رجالاً أتقياء انتظروا كسمعان الشيخ «تعزية إسرائيل» وأنهم كانوا وهم يحرسون الغنم ليلاً يتذاكرون بنبوءات العهد القديم المتعلقة بالمسيح وكانوا يصلّون ويشتاقون إلى إتمامها كسمعان نفسه (ع ٣٥). فلم يكن إعلان ولادة المسيح لملوك أو أمراء أو فلاسفة أو كهنة أو كتبه أو فريسيين بل لرعاة بسطاء. وهذا وفق قول الرسول «ٱسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي ٱلأَحِبَّاءَ، أَمَا ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ فُقَرَاءَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي ٱلإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلَّذِي وَعَدَ بِهِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يعقوب ٢: ٥).
مُتَبَدِّينَ أي كائنين في البادية أي البرية كأهل البدو.
٩ «وَإِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَـهُمْ، فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً».
ص ١: ١٢
إِذَا هي إذاً المفاجأة.
مَلاَكُ ٱلرَّبِّ الأرجح أنه كان في هيئة إنسان كما في بشارة مرقس (مرقس ١٦: ٥). وظهر الملائكة لرؤساء الآباء والأنبياء وقواد الجنود وظهروا هنا لرعاة ودعاء وفقاً لقوله «وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ» (متّى ١١: ٥).
وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أي نور غريب وهو علامة الإعلان الإلهي في خيمة الاجتماع والهيكل (١ملوك ٨: ١٠ و١١ وإشعياء ٦: ١ – ٣ وأعمال ٩: ٣ و٢٢: ١١) (انظر الشرح متّى ١٧: ٥).
فَخَافُوا غلب أن يكون ظهور الملائكة للناس علّة خوف لهم لأنه أول ما يخطر على البال أنهم أتوا للدينونة (متّى ٢٢: ٥ – ٩ ولوقا ١: ١٣ و٣٠).
١٠ «فَقَالَ لَـهُمُ ٱلْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ».
تكوين ١٢: ٣ ومتّى ٢٨: ١٩ ومرقس ١: ١٥ وع ٣١ و٣٢ وص ٢٤: ٤٧ وكولوسي ١: ٢٣
أَنَا أُبَشِّرُكُمْ كان هذا الملاك أول مبشر بالمسيح واشتملت بشارته على أنه رُفعت عن العالم الظلمة الروحية التي غطته نحو أربعة آلاف سنة. وأنه قد تم وعد الله بتمهيد الطريق إلى نوال الخاطئ مغفرة الخطايا والمصالحة لله. وإلى سحق رأس الشيطان. والمناداة بالعتق لأسرى الخطيئة وإلى إظهار أنه كيف يكون الله باراً ويبرر الأثمة.
بِفَرَحٍ… لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ أي لجميع الذين يقبلون البشارة والمسيح المبشَّر به. فيمكن كل خاطئ أن يشترك في ذلك الفرح إن أراد. وعرض على اليهود أولاً ثم على جميع الأمم على اختلاف صنوفهم وألسنتهم (ع ٣٢ وص ١: ٧٩).
١١ «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ».
إشعياء ٩: ٦، متّى ١: ٢١، متّى ١: ١٦ و١٦: ١٦ وص ١: ٤٣ وأعمال ٢: ٣٦ و١٠: ٣٦ وفيلبي ٢: ١١
وُلِدَ لَكُمُ أي لكم أيها الرعاة باعتبار أنكم أفراد تتوقعون مجيء المسيح وباعتبار أنكم بشر أي من جنس محتاج إلى مخلص أُرسل إليه. وغاية ولادة المسيح ليس لمجده بل لمنفعة الناس بإنقاذهم من الهلاك الأبدي وبمنحهم الحياة الأبدية. فولادة المسيح هي علّة الفرح الذي ذُكر في العدد العاشر وهي موضوع تبشير الملائكة هنا.
فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ أي في بيت لحم.
مُخَلِّصٌ لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم (متّى ١: ٢١)
ٱلْمَسِيحُ أي الممسوح من الله الآب نبياً وكاهناً وملكاً (انظر الشرح متّى ١: ١).
ٱلرَّبُّ هذا اللقب استعمله لوقا دائماً بمعنى يهوه في العهد القديم (ص ١: ٦ و٩ و١١ و١٥ و١٦ وص ٢٣: ٢ وأعمال ٢: ٣٦) والمسيح هو الرب لأنه خالق وملك (كولوسي ١: ١٦ – ١٨). وبهذا الكلام علّم الملاك الرعاة أن ذلك الطفل هو إله متجسد وأنه هو المسيح المنتظر. فكان إعلان الملاك للرعاة أعظم من الإعلان لمريم وليوسف إذ لم يعلن لهما إلا أن يكون اسمه يسوع وأنه يكون عظيماً وأنه ابن العلي ووارث كرسي داود.
١٢ «وَهٰذِهِ لَكُمُ ٱلْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ».
عَلاَمَة هي غرابة أن يوضع الولد عند ولادته في مذود أي معلف دوابّ. وعدم الموافقة بين سمو أصله وعظمة وظيفته ودناءة حاله لأنه لا يتوقع أن يكون سرير الملك معلف دواب. وأُعطيت هذه العلامة للرعاة من دون أن يطلبوها كما أنه أعطيت العلامة لمريم من دون طلبها (ص ١: ٣٦). فاحتاج الرعاة إلى علامة لكي يميزوا الطفل من سائر أطفال بيت لحم. وليس من المرجّح أنه وُلد في تلك الليلة أطفال كثيرون في بيت لحم ويقرب من المحال أن يولد آخر ويوضع في المذود أيضاً.
١٣ «وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللّٰهَ وَقَائِلِينَ».
تكوين ٢٨: ١٢ و٣٢: ١ و٢ ومزمور ١٠٣: ٢٠ و٢١ و١٤٨: ٢ ودانيال ٧: ١٠ وعبرانيين ١: ١٤ ورؤيا ٥: ١١
ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ هم الملائكة ويعبّر عنهم الكتاب غالباً بجيش يحيط عرش الله (١ملوك ٢٢: ١٩ و٢أيام ١٨: ١٨ ومزمور ١٠٣: ٢١ ودانيال ٧: ١٠ ومتّى ٢٦: ٥٣ ورؤيا ١٩: ١٤) فظهر مع الملاك الذي خاطب الرعاة أولاً كثيرون من الملائكة.
مُسَبِّحِينَ الأرجح أنه لم يسمع هذا التسبيح أحد على الأرض سوى الرعاة.
١٤ «ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ».
ص ١٩: ٣٨ وأفسس ١: ٦ و٣: ١٠ و٢١ ورؤيا ٥: ١٣، إشعياء ٥٧: ١٩ وص ١: ٧٩ ورومية ٥: ١ وأفسس ٢: ١٧ وكولوسي ١: ٢٠، يوحنا ٣: ١٦ و٢كورنثوس ٥: ١٩ وأفسس ٢: ٤ و٧ و٢تسالونيكي ٢: ١٦ و١يوحنا ٤: ٩ و١٠
كان موضوع ترنم الملائكة ميلاد المسيح ويصح أن تحسبه تسبيحاً ودعاء. وكان لهم في ميلاد المسيح ثلاثة أسباب للفرح:
الأول: أنه في السماء يمجد الله.
الثاني: أنه على الأرض تأسس ملكوت السلام لكي يبطل الخصام بين الناس.
الثالث: أنه كان بين السماء والأرض مصالحة فيرضى الله عن الناس والناس يكرمونه ويحبونه.
ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ إن مجد الله غير محدود فهو لا يقبل الزيادة بشيء من الوسائط لكنه يزيد ظهوراً لمخلوقاته بمعلنات جديدة. وهذا المجد هو ما أظهر بالمسيح للخلائق من صفات الآب كالحكمة والعدل والحق والرحمة والمحبة التي لا يمكن ظهورها بغير المسيح.
والمسيح نفسه مجد الله بقداسته وطاعته وصلواته وما أتاه من أعمال الرحمة وتعاليمه وموته إكراماً لشريعته وإنقاذاً للإنسان الساقط. نعم إن عمل الخليقة أظهر مجد الله وترنم به الملائكة وقتئذ (أيوب ٣٨: ٧) لكن ميلاد المسيح كان أكثر إظهاراً لذلك المجد. والجموع الذين احتفلوا بدخول يسوع إلى أورشليم ترنموا كما ترنم الملائكة بقولهم «مجد في الأعالي» (ص ١٩: ٣٨).
فِي ٱلأَعَالِي أي في أعلى السماوات.
وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ أن المسيح هو رئيس السلام (إشعياء ٩: ٥) وذلك لأربعة أمور:
إنّه رسول السلام من السماء إلى الأرض لا رسول النقمة والدينونة.
إنّه منشئ السلام بين إنسان وإنسان (أفسس ٢: ١٤).
إنّه مانح الضمير سلاماً بتحقيق مغفرة الخطايا.
إنّه وسيط السلام بين السماء والأرض أي بين الله والناس. ويشتمل السلام هنا على كل فوائد الفداء.
وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ أي رضى الله عن الناس وهو إظهار محبته لهم بميلاد ابنه (يوحنا ٣: ١٦ وأفسس ١: ٥ و٩ و١٠ وتيطس ٣: ٤). وكانت غاية المسيح من كل أقواله وأفعاله على الأرض إعلان محبة أبيه الفائقة للناس. وأما موته فهو أجلى برهان على تلك المحبة (على أن كل خير في الدنيا نتيجة مسرته تعالى). والمسرة في الجملة الثالثة جزء عظيم من موضحات «السلام» في الجملة السابقة. وكلٌ من السلام والمسرة لا يشين مجد الله بل يوافقه ويؤول إليه.
وترجم بعضهم الجملتين الأخيرتين بجملة واحدة فصارتا و «على الأرض السلام لذوي المسرة» أي مختاري الله.
١٥ «وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، قَالَ ٱلرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لِنَذْهَبِ ٱلآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هٰذَا ٱلأَمْرَ ٱلْوَاقِعَ ٱلَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ».
مَضَتْ… إِلَى ٱلسَّمَاءِ لأن السماء مسكنهم وإنما يأتون إلى الأرض رُسلاً.
إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ أي مدينة داود التي قال الملاك أن المسيح يولد فيها.
وَنَنْظُرْ هٰذَا ٱلأَمْرَ لم تكن غايتهم من ذلك تحقيق خبر الملاك لأنهم صدقوه لكنهم أرادوا اغتنام الفرصة لمشاهدة ذلك الأمر العظيم الذي بشرهم الملاك به. وفي قول الملاك تلميح بأمره لهم بالذهاب (ع ١٢). والقرينة تدل على أنهم عزموا على الذهاب حالما ارتفعت الملائكة عنهم مع أنه كان منتصف الليل وذلك يحملهم على أن يتركوا رعيتهم بلا حارس.
أَعْلَمَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ أي بلّغنا إياه بواسطة الملاك.
١٦ «فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَٱلطِّفْلَ مُضْجَعاً فِي ٱلْمِذْوَدِ».
مجيئهم مسرعين يدل على شدة رغبتهم لمشاهدة المسيح. فنستنتج من ذلك أنهم كانوا متوقعين إتيانه ومسرورين بالتبشير به وأقوياء الإيمان ومستعدين للطاعة حالاً فشاهدوا كما قيل لهم في الآية الثانية العشرة. وكانت بيت لحم قرية صغيرة فلم يصعب عليهم أن يجدوا المنزل واصطبله.
١٧ «فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي قِيلَ لَـهُمْ عَنْ هٰذَا ٱلصَّبِيِّ».
أَخْبَرُوا أي يوسف ومريم. والأرجح أنهم لم يقتصروا على إخبارهما بل بشروا بذلك في الصباح غيرهم ممن كانوا يتوقعون المسيح توقُعهم. ولا بد أن مريم ويوسف قد فرحا بما أخبروهما وتقوى إيمانهما.
بِٱلْكَلاَمِ الخ أي خبر الملاك لهم وترنم الجند السماوي. ولعلهم أضافوا إلى ذلك في إنبائهم أهل القرية ما سمعوا من مريم ويوسف من رُؤى الملائكة في شأنه قبل ولادته. فكان الملاك أول المبشرين بذلك من أهل السماء وكان الرعاة أول المبشرين به من أهل الأرض ونقلوا إلى أهل بيت لحم وإلينا نبأ ذلك المشهد العظيم وتلك الترنيمة السماوية.
١٨ «وَكُلُّ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَـهُمْ مِنَ ٱلرُّعَاةِ».
كان يجب أن يكون تأثير شهادة الرعاة في سكان بيت لحم عظيماً حتى أنهم يصدقون أن الطفل المولود هو المسيح المنتظر وأن يقبلوه كذلك ولكن لم يكن من تأثير سوى تعجبهم. ولعلّ سبب ذلك دناءة حال هذا المولود بخلاف ما كانوا يتوقعون ولكن إذا جمعنا كل التأثيرات من ولادة المسيح رأيناها خمسة:
تسبيح الملائكة.
شهادة الرعاة بالتمجيد والتسبيح.
حفظ مريم تلك الأمور وتفكرها فيه.
تعجب الملائكة.
اضطراب هيرودس وعزمه على قتل الصبي (متّى ٢: ١٦).
١٩ «وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هٰذَا ٱلْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا».
تكوين ٣٧: ١١ وص ١: ٦٦ وع ٥١
في هذه الآية مقابلة بين مريم وغيرها ممن ذُكروا في الآية التالية فإن الأولين تعجبوا مما كان ونسوه حالاً وأن الآخرين مجّدوا وسبّحوا جهراً. وأما مريم فكانت تحفظ كل ذلك متفكرة فيه أي أنها كانت تذكر ما قاله الرعاة وما سمعته من زكريا وأليصابات باللفظ الواحد. وربما كانت نتيجة تذكرها هذا وصول هذا الخبر المدقق إلينا مما نقله لوقا عن لسانها بعد ذلك (ص ١: ٢ و٣).
وقوله «في قلبها» متعلق بقوله «تحفظ».
مُتَفَكِّرَةً بِهِ أي متأملة فيه لكي تعلم حقيقة ذلك المولود حق العلم وما يجب عليها له. وتجسد الله في شخص يسوع سر عظيم لم يمكن مريم أن تدركه دفعة بل عرفته بعض المعرفة شيئاً فشيئاً بكل معجزة وشهادة جديدة. والتفكر في الحقائق العظيمة هو أفضل وسيلة إلى حفظها في الذاكرة.
٢٠ «ثُمَّ رَجَعَ ٱلرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَـهُمْ».
رَجَعَ ٱلرُّعَاةُ أي عادوا إلى حيث كانوا.
ُيُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ وَيُسَبِّحُونَه هؤلاء الرعاة مثال لنا في الإيمان والطاعة والشكر لله والتسبيح له والرغبة في أن يسمع غيرهم ما سمعوه من البشارة.
مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ أي ما سمعوا من الملائكة ويوسف ومريم ومما رأوه بأعينهم.
8 وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، 9 وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. 10 فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: 11 أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. 12 وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». 13 وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: 14 «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». (عدد 8-14).
أفكار الله ليست كأفكار النَّاس. لو وُلد ابن بكرًا لعائلة ملكية بين الناس لكان يذيع الخبر بذلك رسميًا في كل المملكة لا سيما بين أكابرها وشرفائها؛ وينتج فرح عمومي، وأما البشارة بولادة يسوع فبلغت الفقراءَ قبل الكل ، نعم، نرى أن الملائكة الأطهار كانوا مهتمين بتلك الحادثة العظيمة التي تمت فيها مقاصد الله جميعها! وتعلق عليها أمر الكون. ولكنه لم يُولد لهم بل لنا. «لأنَّهُ حقًا ليس يُمسك الملائكة، بل يُمسك نسل إبراهيم» (عبرانيين 16:2). كان بعض أُناس فقراء رعاة غنم ممارسين واجباتهم المعيَّنة بعادًا عن تآمرات الملوك وليس لهم أقل اشتراك في مشروعات الناس وطمعهم في المجد الفاني. لم يكونوا من الذين لهم موضع في منازل هذا العالم. «هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك» (مَتَّى 8:11). فكانت حالة أولئك الرعاة تشبه حالة يسوع نفسهِ فإليهم أولاً بلغت البشارة بحضور الرَّبِّ في الأرض. لم يكن إله إسرائيل يطلب العظماء بين شعبهِ بل الذين كانوا من أذل غنمهِ الإسرائيلي. «وإذا ملاك الرَّبِّ وقف بهم ومجد الرَّبِّ أضاء حولهم فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب» نرى الاختلافات بين أفكار السماء وأفكار الأرض لأن الناس مُعتادون على سوء الظن من جهة السماء، كأنها مصدر البلايا والعداوة لهم، فإن ظهر لهم ظهور سماوي في وقتٍ ما يمتلئون خوفًا مع أنهُ كان يجب عليهم أن ينتظروا منها كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، فخافوا من منظر ملاك الرَّبِّ كما للناس العادة ، ولكنهُ بادر إلى تسكين مخاوفهم فأنهُ أتاهم بما يكون فرحًا عظيمًا لجميع الشعب يعني شعب إسرائيل على وجه الأجمال لم يفرحوا بهذه البشارة حين بلغتهم فأن اضطرابًا عظيمًا حصل في أورشليم وملكها وكهنتها وكتبتها استاءُوا الخبر بولادة ملك اليهود (مَتَّى 1:2-6). ثمَّ بعد ذلك اتفقوا مع أسيادهم الأمم برفضهِ، ولكن مع ذلك كانت أفكار السماء فيما لفرحهم لو أرادوا أن يقبلوهُ. أنهُ وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلّصٌ هو المسيح الرَّبِّ. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمَّطًا مُضجعًا في مذود. هذا فحوى البشارة التي كانت يجب أن تفرح شعب إسرائيل المُتسلط عليهم الملك المُقتدر الوثني. مَتَّى البشير يذكر الاضطراب الذي حصل في أورشليم، واجتهاد هيرودس في قتل الولد وأما لوقا فيكشف لنا الفرح الذي حصل في السماء، ويصف لنا الولد موضوعًا في الذود ولكنهُ هو سبب تهاليل ملائكة الله. لم نرّ في مَتَّى شيئًا مما ورد في الإصحاح الأول من هذا الإنجيل ولا مما نراهُ في هذا الإصحاح. فيتضح أن الروح القدس قصد أن يعطينا فوائد خصوصية بكل واحد من الأربعة البشيرين. لاحظ أيضًا في سياق الكلام أن يسوع المسيح المولود في مدينة داود ليس هو إلاَّ الرَّبِّ أي يهوه إله إسرائيل الذي هو الإله الواحد الحقيقي (هو الله ظاهر في الجسد). وما هي العلامة الدالة على ظهور الله في الجسد؟ هي طفل مقمَّط مُضجع في مذود. لا يوجد شيءٌ أضعف من طفل صغير غير قادر على شيء إلاَّ البكاء فقط. ولكن أضعف شيءٍ بين البشر يدل على حدوث أعظم أفعال الله أي التجسُّد.
وظهر بغتةً مع الملاك جمهور من الجند السماوي مُسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرَّة. سبق قول الملاك للرعاة الإسرائيليين الأتقياء بأن الوارث لبيت داود قد وُلد لهم وأنهُ بالحقيقة يهوه إله إسرائيل فينبغي أن يفرحوا بذلك. وهذا حقٌّ مع أنهُ ليس الكل. لأن ظهور ابن الله الوحيد في الجسد لا ينحصر في إسرائيل وحدهم وإن كان هو مَلِكهم حقيقةً. فتجسُّد الأقنوم الثاني يؤول لمجد الله في الأعالي كما أنهُ يُنتج سلامًا للأرض أيضًا. فظهر بغتةً جمهور من الجند السماوي مع الملاك، وعَبَروا عن أفكار السماء في شأن ذلك الطفل العجيب! فإن كان أتقياء إسرائيل يستدلُّون عليهِ كطفل قد وُلد لهم على نوع خصوصي فالملائكة نظروا فيهِ أكثر من ذلك بما لا يوصف. أولاً- المجد لله في الأعالي، نرى أن تلاميذ الرَّبِّ الذين رافقوهُ مدة خدمتهِ لم يروا فيهِ إلاَّ أنَّهُ المسيح الملك الذي انتظروا أنَّهُ يردُّ لإسرائيل سلطانهم ومجدهم كشعب مُفرز لله، ولم يدركوا أمجادهُ السماوية حتى بعد صعودهِ وحلول الروح القدس، وأما الملائكة فمن أول ظهورهِ بين النَّاس بأعظم الضعف والاتضاع فحسبوهُ الواسطة الوحيدة لإعلان مجد الله، وتثبيتهِ ليس على الأرض فقط بل ف الأعالي أيضًا. فالمجد: عبارة عن إظهار صفات الله وأجراء أحكامهِ وقدرتهِ، مثلاً، فأُعلن ذلك كلهُ بشخص يسوع وعملهِ. طالما عاين الملائكة علامات قدرة الله وأجراء أحكامهِ العادلة في الأرض، ولم يروا منظرًا كهذا. «والإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الرُّوح، تراءى لملائكةٍ، كُرز بهِ بين المم، أُومن بهِ في العالم، رفُع في المجد» (تيموثاوس الأولى 16:3). «إذ عرَّفنا بسرِّ مشيئتهِ حسب مسرَّتهِ الَّتي قصدها في نفسهِ، لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كُلُّ شيءٍ في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك» (أفسس 9:1، 10). لا يُخفى أننا متباطؤُون جدًا في فهم مجد الله المُعلن في المسيح مع أن الحوادث الأساسية كتجسدهِ، وموتهِ، وارتفاعهِ، قد تمت كلها وعندنا إيضاحها الكامل في العهد الجديد، وأما سكان السماء فعند مشاهدتهم ابن الله مُتخذًا صورة إنسان ففهموا حالاً أن ذلك من أعظم الأفعال، ولابدَّ أن يؤُول لمجد الله الأسنى في كل الكون. «الذي نزل فهو الَّذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات، لكي يملأ الكُلَّ» (أفسس 10:4). ثانيًا- قولهم: وعلى الأرض السلام، معلوم أن الأرض طالما باتت في الكدر والاضطراب عديمة الراحة والسلام نظير البحر المُضطرب الذي لا يستطيع أن يهدأ، وتقذف مياههُ حمأةٌ وطينًا. وأما يسوع فأتاها بالسلام. لا شك أنهُ قد رُفض وصار الاعتراف باسمهِ سبب الخصام والعداوة، ولكنهُ حضر للسلام، ولا يزال يمنحهُ للمؤمنين بهِ. «فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربِّنا يسوع المسيح» (رومية 1:5). ولابدَّ أنهُ يظهر ثانيةً ليبارك الأرض ويملأها سلامًا، ويزيل العداوة والظلم بحضورهِ وملكوتهِ العادل المقدس. نعم، يسوع هذا الفائق في المحبة سيملك بعد، وينظم العالم العتيد على أساس السلام، ويزينهُ بالقداسة والمحبة والطاعة حتى أنهُ أخيرًا يبطل آخر عدو أي الموت ويبدئُ السماء الجديدة والأرض الجديدة التي يسكن فيها البرُّ إلى الأبد. سبق الله وأعطى الناموس عن يد ملائكة من وسط النار والرعود على جبل سيناء ولكنهم لم يهتفوا هتافًا ولا صرحوا بصدور السلام للأرض لأن ذلك النظام لم يقدر أن ينتج سلامًا لا لإسرائيل ولا لغيرهم. وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. لأن مجرد حضورهِ يتكفل بتتميم جميع مقاصد الله الصالحة. ثالثًا- قولهم: وبالناس المسرَّة، يعني: أن مسرَّة الله هي بالناس وليس بالملائكة. شاء منذ الأزل أن ابنهُ يتخذ في الوقت المعيَّن من الطبيعة الإنسانية (انظر أمثال 22:8-31). كان فرح الله في أرض مسكونتهِ ولذاتهُ مع بني آدم. وعلى قدر ما عظم سوء حالتهم تعاظمت محبتهُ وتبرهنت بافتقادهِ إياهم وظهورهِ في وسطهم.
فبالاختصار حضر الله بالنعمة في ذات ابنهِ مُظهرًا محبتهُ نحو الجنس البشري المُبتعد عنهُ قاصدًا أن يُعلن نفسهُ بطرق عجيبة تفوق كل عقل. يجب أن نلاحظ أفكار الملائكة العديمة الحسد فأنهم فرحوا من مداخلة الله في أمورنا وتفضيلهِ إيانا وتقديمنا عليهم مع أنهم أعلى منا رتبةً بحسب الخليقة الأصلية (انظر عبرانيين 7:2)، ولكننَّا قد صرنا أعلى منهم في المسيح يسوع وأما هم فيفرحون بذلك لكونهِ لمجد الله. هكذا شاءت مشيئة الله فهم مُرتضون بهِ. فما أفظع جهالة الذين يسجدون للملائكة كأنهم أعلى منا!
15 وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». 16 فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. 17 فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. 18 وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. 19 وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. 20 ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ. (عدد 15-20).
أسرع الرعاة الأتقياء لينظروا المنظر العظيم الذي كان خبرهُ قد بلغهم بفم ملاك الرب ووجدوهُ تمامًا كما قيل لهم ولما رأوهُ أخبروا بما جرى لهم وكانت شهادتهم سبب التعجب في الذين سمعوها. وكان ذلك واسطة مُناسبة لتثبيت إيمانهم وتقويتهِ. وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتفكرةً بهِ في قلبها. كان فيها إيمان بما بلغها عن صفات هذا الولد العجيب ولكن الإيمان يقوى وينمو بواسطة كلام الله وإعلاناتهِ. ولم تكن معرفتها كاملة فاحتاجت إلى أن تتأمل في ما سمعتهُ من وقت إلى آخر. ثم رجع الرعاة وهم يُمجدون الله ويُسبحونهُ على كل ما سمعوهُ ورأوهُ كما قيل لهم. ينبغي أن نُلاحظ أن رؤية الملائكة ملأت الرعاة خوفًا وأما رؤيتهم المُخلِّص المولود حديثًا فملأتهم تسبيحًا. كانت زيارة الملائكة مؤقتةً فقط وأما المسيح المُخلِّص فكان لهم عطية حاضرة نعم ونصيبًا مؤبدًا لنفوسهم أيضًا. فمن الأمور المُستحقة العجب أن الله سُبحانهُ وتعالى لما دخل العالم دخلهُ على هيئة كهذه لكي يجتذب النفوس إليهِ ويمنحهم الفرح عوضًا عن أن يرعبهم ويبعدهم عنهُ فظهور الله في الجسد لم يكن مُرهبًا للناس كمنظر خُدامهِ السماويين. رجع الملائكة إلى السماء، والرعاة أيضًا رجعوا إلى أشغالهم الخاصة بعد مُشاهدتهم يسوع وكانوا جميعًا مُمتلئين من الأفراح مُعبرين عنها بتسابيح لأن ذات يسوع يُسبّب فرحًا لملائكة السماء ولِعَارفي اسمهِ على الأرض أيضًا.