الجزء الثالث خطايا في كنيسة كورنثوس (اصحاحا ٥ و٦)
بعد أن تحدث الرسول بولس الى كنيسة كورنثوس عن ضرورة الاتحاد (١: ١٠ – ٤: ٢١) يتحدث في الأصحاحين الخامس والسادس عن أربعة أخطاء موجودة في كنيسة كورنثوس:
- خطأ الزواج بالممنوع (٥: ١ – ٨)
- مخالطة العالم (٥: ٩ – ١٣)
- التقاضي أمام غير المؤمنين (٦: ١ – ١١)
- تحذير من الشهوانية (٦: ١٢ – ٢٠)
١ يُسْمَعُ مُطْلَقاً أَنَّ بَيْنَكُمْ زِنًى! وَزِنًى هٰكَذَا لا يُسَمَّى بَيْنَ ٱلأُمَمِ، حَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلإِنْسَانِ ٱمْرَأَةُ أَبِيهِ. ٢ أَفَأَنْتُمْ مُنْتَفِخُونَ، وَبِٱلْحَرِيِّ لَمْ تَنُوحُوا حَتَّى يُرْفَعَ مِنْ وَسَطِكُمُ ٱلَّذِي فَعَلَ هٰذَا ٱلْفِعْلَ؟ ٣ فَإِنِّي أَنَا كَأَنِّي غَائِبٌ بِٱلْجَسَدِ، وَلٰكِنْ حَاضِرٌ بِٱلرُّوحِ، قَدْ حَكَمْتُ كَأَنِّي حَاضِرٌ فِي ٱلَّذِي فَعَلَ هٰذَا، هٰكَذَا، ٤ بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ – إِذْ أَنْتُمْ وَرُوحِي مُجْتَمِعُونَ مَعَ قُّوَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ – ٥ أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هٰذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاكِ ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ ٱلرُّوحُ فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ. ٦ لَيْسَ ٱفْتِخَارُكُمْ حَسَناً. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ ٱلْعَجِينَ كُلَّهُ؟ ٧ إِذاً نَقُّوا مِنْكُمُ ٱلْخَمِيرَةَ ٱلْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِيناً جَدِيداً كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. ٨ إِذاً لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلا بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلإِخْلاصِ وَٱلْحَقِّ (١كورنثوس ٥: ١ – ٨).
قال الرسول بولس لأهل كورنثوس إنه قد شاع في كل مكان خبر سيئ حدث في كورنثوس، يسمّيه الرسول «زنا». وهو زنى لا مثيل له حتى عند الوثنيين، فقد كان رجل منهم يعاشر زوجة أبيه. ولكن أهل كورنثوس لم يحاولوا أن يصلحوا هذا الخطأ بل قبلوه في لا مبالاة، وامتلأوا بالافتخار وانتفخوا بالكبرياء. والرسول يقول لهم إنه كان أوْلى بهم أن يحزنوا حتى يدينوا هذا الشخص الذي ارتكب الزنا من وسطهم، ويقول: مع أنني غائب عنكم، لكنني بروحي حاضر في وسطكم، وقد حكمت ضد هذا الشخص الذي عاشر زوجة أبيه على ما فعل، ثم يقول: إذاً عندما تجتمعون كجماعة المؤمنين تحاكمون هذا المؤمن الذي انحرف، سأكون أنا معكم بالروح، وسيكون اجتماعكم باسم ربنا يسوع وبقدرته. ويمضي الرسول فيقول إن هذا الشخص يجب أن يُسلَّم إلى الشيطان، وهذا معناه: (١) قطعه من حفظ المسيح في شركة الكنيسة. (٢) جَعْله عُرْضة لمرض جسدي يقع عليه إن لم يستفد من ذلك التأديب ويرجع بالتوبة. إن إخراجه من ملكوت المسيح يستلزم دفعه إلى ملكوت الشيطان مع كل عواقب ذلك. والإنجيل ينسب أحياناً المصائب الجسدية إلى فعل الشيطان، فقد قال المسيح عن المرأة المنحنية «رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً» (لوقا ١٣: ١٦) وقال بولس إن مرضه الجسدي هو «مَلاكَ ٱلشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَه» (٢كورنثوس ١٢: ٧). وعلى هذا فإن الشخص الذي ارتكب خطيئة الزنا مع امرأة أبيه يُسلَّم للشيطان ليصيب جسمه بالمرض والألم، لفائدة حياته الروحية، برجاء أن الآلام تجذبه الى التوبة وطهارة الحياة. وتأديب الكنيسة للخاطىء يعني أمرين: أولاً – أن يتخلَّصوا من شركة هذا الخاطىء في خطيئته، وثانياً – أن يصلحوا من أمره.
ويمضي الرسول فيقول إن وجود مثل هذا الشخص بينهم يشبه وجود الخميرة التي تخمّر العجين كله! فليس افتخارهم بهذا الشخص حسناً، بل عليهم أن يتخلَّصوا من الخميرة الفاسدة الموجودة. ويقول «نقّوا منكم الخميرة العتيقة، لكي تكونوا عجيناً جديداً، كما أنتم فطير». يقصد بالفطير القداسة، ويقصد بالخميرة فساد الطبيعة. والمعنى أنكم أنتم المسيحيين مُكلَّفون بأن تكونوا قديسين أنقياء من الخطيئة. لأن الله دعاكم الى القداسة. ثم يقول إن المسيح فصحنا ذُبح لأجلنا، فهو حَمَلُ الله الذي يرفع خطية العالم. والنجاة بدم المسيح أبدية عامة لكل أمم العالم، فقد ذُبح ليفدينا من الإثم…. إذاً لنعِيّدْ ليس بخميرة عتيقة – أي بالطبيعة غير المتجددة – ولا بخميرة الشر والخبث، فالإنسان بالطبيعة غير المتجددة عُرْضة للشر في هذا العالم – عالم التجربة – لكنه يطلب أن يكون عيدنا بفطير الإخلاص والحق. وعلى كل مسيحي أن يشتهر بالإخلاص وأن يشتهر بالحق. وهو هنا يشِّبه الحياة المسيحية بأنها عيدٌ مفِّرحٌ للمفديّين.
أبانا السماوي، نرجو أن تنقي قلوبنا من كل خميرة عتيقة فاسدة، وأن تجعلنا نعيّد عيد القداسة والتقوى التي ترضيك. نشكرك من أجل المسيح فصحنا الذي ذُبح لأجلنا، وبسَتْر دمه الكريم عبر عنا الهلاك. أبانا نصلي أن تحفظنا في المسيح الفادي المخلص الذي يطهرنا من كل خطية. احفظ قلوبنا مقدسة به وفيه. انزع منّا كل ما لا يُرضيك واملأنا بكل ما يمجّد اسمك.
٩ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلرِّسَالَةِ أَنْ لا تُخَالِطُوا ٱلّزُنَاةَ. ١٠ وَلَيْسَ مُطْلَقاً زُنَاةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ، أَوِ ٱلطَّمَّاعِينَ أَوِ ٱلْخَاطِفِينَ أَوْ عَبَدَةَ ٱلأَوْثَانِ، وَإِلا فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ ٱلْعَالَمِ. ١١ وَأَمَّا ٱلآنَ فَكَتَبْتُ إِلَيْكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ مَدْعُّوٌ أَخاً زَانِياً أَوْ طَمَّاعاً أَوْ عَابِدَ وَثَنٍ أَوْ شَتَّاماً أَوْ سِكِّيراً أَوْ خَاطِفاً، أَنْ لا تُخَالِطُوا وَلا تُؤَاكِلُوا مِثْلَ هٰذَا. ١٢ لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ ٱلَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ، أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ ٱلَّذِينَ مِنْ دَاخِلٍ. ١٣ أَمَّا ٱلَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَٱللّٰهُ يَدِينُهُمْ. فَٱعْزِلُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ (١كورنثوس ٥: ٩ – ١٣).
بعد أن تحدث الرسول بولس عن ضرورة إبعاد المؤمن الذي أخطأ من وسط جماعة المؤمنين، وطالبهم أن يعزلوه من بينهم، يحاول أن يوضح التعليم الذي قصده، فيقول: لما أوصيتكم أن تمتنعوا عن مخالطة الخاطئين الأردياء كنت أقصد فقط أعضاء الكنيسة. ليس من شأننا إدانة الوثنيين، ولا يجب أن نبتعد عن مجتمع الأشرار تماماً بحجّة أن سلوكهم الأخلاقي شرير. هذا يذكّرنا بأن المسيح لم يعلّمنا أن نهرب من العالم، لأنه هكذا أحب الله العالم العاصي الشرير حتى بذل ابنه الوحيد. فالانفصال عن العالم والابتعاد عنه ليس شعار المؤمنين القديسين، لأن الله يريدنا أن نبقى في العالم لنقود الضالين الى المسيح ولنحتمل الأشرار بالصبر الذي يعطيه لنا المسيح. لقد ترك المسيح سماءه ليخلّصنا، وعلينا أن نتعلم كيف نكون في وسط العالم نخدم المحتاجين الى رسالة المسيح. وقد صلى المسيح من أجلنا قائلاً «لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ ٱلْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (يوحنا ١٧: ١٥) الله لا يريدنا أن ندين الآخرين كأننا أفضل منهم، لكنه يرشدنا إلى التواضع وإنكار النفس. فلنعتبر أنفسنا أصغر الكل ولنبتعد عن روح التفاخر. إن كنا سنمتنع عن مخالطة زناة العالم أو الجشعين أو السارقين أو عباد الأوثان فإن هذا يضطرنا الى الخروج من العالم. نحن نعلم يقيناً أن المجتمع تشبَّع بالشهوة والطمع وعبادة الأوثان، وعلينا أن نسلك مع هؤلاء بالمحبة لنستطيع أن نربحهم كما كان المسيح يجلس مع العشارين والخطاة حتى أُطلق عليه لقب «محبٌّ للعشارين والخطاة». الله يدين العالم الخارجي، وعلينا نحن المؤمنين أن ندين خطايا الخطاة الذين في وسطنا، باعتبار أننا كنيسة مقدسة لأن الله يقول لنا «أزيلوا الفاسد من بينكم».
ولكن في محاولاتنا إصلاح غيرنا، علينا أن نذكر نصيحة المسيح التي قالها في الموعظة على الجبل «لا تَدِينُوا لِكَيْ لا تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ ٱلْقَذَى ٱلَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا ٱلْخَشَبَةُ ٱلَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلا تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ ٱلْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا ٱلْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَّوَلاً ٱلْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ ٱلْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ» (متى ٧: ١ – ٥).
أبانا السماوي، ساعدني لأعيش في العالم من غير أن أكون من العالم. لا تسمح أن تدخل محبة العالم فيَّ، بل أعطني أن أحبك أنت فوق كل شيء وأكثر من كل شيء. ساعدني لأقود البعيدين الضالين إليك، فإن العالم قد وُضع في الشرير. ساعدني لأحيا حياة الطهارة العفيفة. أبانا السماوي أسألك أن تفصل عنا المؤمنين المخطئين وأن تعاقبهم عقاباً جسدياً لتخلّص نفوسهم مع نفوسنا.
١ أَيَتَجَاسَرُ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ دَعْوَى عَلَى آخَرَ أَنْ يُحَاكَمَ عِنْدَ ٱلظَّالِمِينَ، وَلَيْسَ عِنْدَ ٱلْقِدِّيسِينَ؟ ٢ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلْقِدِّيسِينَ سَيَدِينُونَ ٱلْعَالَمَ؟ فَإِنْ كَانَ ٱلْعَالَمُ يُدَانُ بِكُمْ، أَفَأَنْتُمْ غَيْرُ مُسْتَأْهِلِينَ لِلْمَحَاكِمِ ٱلصُّغْرَى؟ ٣ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلائِكَةً؟ فَبِٱلأَوْلَى أُمُورَ هٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ! ٤ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ مَحَاكِمُ فِي أُمُورِ هٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ، فَأَجْلِسُوا ٱلْمُحْتَقَرِينَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ قُضَاةً! ٥ لِتَخْجِيلِكُمْ أَقُولُ. أَهٰكَذَا لَيْسَ بَيْنَكُمْ حَكِيمٌ، وَلا وَاحِدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ إِخْوَتِهِ؟ ٦ لٰكِنَّ ٱلأَخَ يُحَاكِمُ ٱلأَخَ، وَذٰلِكَ عِنْدَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ. ٧ فَٱلآنَ فِيكُمْ عَيْبٌ مُطْلَقاً، لأَنَّ عِنْدَكُمْ مُحَاكَمَاتٍ بَعْضِكُمْ مَعَ بَعْضٍ. لِمَاذَا لا تُظْلَمُونَ بِٱلْحَرِيِّ؟ لِمَاذَا لا تُسْلَبُونَ بِٱلْحَرِيِّ؟ ٨ لٰكِنْ أَنْتُمْ تَظْلِمُونَ وَتَسْلُبُونَ، وَذٰلِكَ لِلإِخْوَةِ. ٩ أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلظَّالِمِينَ لا يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ؟ لا تَضِلُّوا! لا زُنَاةٌ وَلا عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلا فَاسِقُونَ وَلا مَأْبُونُونَ وَلا مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، ١٠ وَلا سَارِقُونَ وَلا طَمَّاعُونَ وَلا سِكِّيرُونَ وَلا شَتَّامُونَ وَلا خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. ١١ وَهٰكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لٰكِنِ ٱغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلٰهِنَا (١كورنثوس ٦: ١ – ١١).
وبَّخ الرسول بولس أهل كورنثوس لأنهم فشلوا في الحكم على عضو الكنيسة الذي ارتكب الزنا مع زوجة أبيه. وارتكبوا خطيئة أخرى وهي أنهم رفعوا قضاياهم أمام المحاكم الوثنية في المسائل التافهة. ويطلب منهم الرسول بولس أن يقيموا من بينهم هيئات للتحكيم، فإذا ساء الحال وتعذَّر عليهم تنفيذ العدل فعليهم أن يذكروا أن المعاناة من آثار الخطأ أفضل من ارتكاب الخطأ. ويقول الرسول بولس إن مؤمني كورنثوس يرون أن القضاة الوثنيين ظالمون، ومع ذلك فإنهم يطلبون العدل على أيديهم. ويقول «ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟» فقد قال المسيح «مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ» (متى ١٩: ٢٨) فإن كانوا سيدينون العالم، أليس بالحري جداً أنهم يحكمون بين بعضهم في الأمور الزهيدة؟ ثم يمضي الرسول فيقول إنهم سيدينون الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم وحُفظوا إلى دينونة اليوم العظيم (يهوذا ٦) فبالأَوْلى أن يقضوا لبعضهم البعض. ويأمر الرسول «أجْلِسُوا المحتقرين في الكنيسة قضاة» أي أصغر أعضاء الكنيسة شأناً ليُصلحوا بين المتنازعين، فيتركوا المؤمنين من أصحاب المواهب الرفيعة ليهتمّوا بالأمور الكبرى. ويقول «لتخجيلكم أقول هذا» لأنكم تتنازعون فيما بينكم على الأشياء التافهة.
من الواجب أن يبتعد المسيحي عن النزاع مع أي انسان. لكن إن وقع في نزاع لا يقدر أن يتخلّص منه، فليحاول أن يسّوي النزاع بالمحبة، ولو أصابه من ذلك شيء من الضرر. على أن المؤمن يجب ألا يشكو المؤمن في محاكم وثنية، فإذا تنازع الأخوة مع بعضهم فلتكن لهم محكمة من إخوتهم المؤمنين لتفصل بينهم. ولو أن هذا يعني أن العيوب قد كثرت في الكنيسة، ودليل على فقدان المحبة المسيحية. ويمضي الرسول فيقول إن الظلم سيحل بهم، لأنهم يظلمون الإخوة ويسلبونهم، وإن الظالمين لا يرثون ملكوت السماوات. ويحذر الرسول بولس المؤمنين من الوقوع في بعض الخطايا، ويريد لهم أن ينتبهوا إلى الحالة السيئة الأولى التي كانوا فيها قبل الإيمان والتي كانوا يمارسون معها مثل هذه الأشياء الشريرة. ولكن ما أن تعرَّفوا على المسيح حتى تغيَّرت حياتهم تماماً. فعليهم أن يستمروا في هجران مثل هذه الخطايا. إن المسيحية تعتني دوماً بالضالين والخطاة، وهذا سبب افتخارهم، لأنهم قد اغتسلوا من خطاياهم، وتقدسوا بنعمة الله، وتبرروا باسم يسوع المسيح وبروح إلهنا. وكلمة «تبرَّرتم» تدل على حادث في ساعة معينة، لا في تطوير تدريجي، فإنه منذ أن تعرّفوا على المسيح حدث فيهم هذا التغيير الذي بررهم باسم الرب يسوع المسيح، فصاروا أبراراً في نظر الله. أما كلمة «تقدستم» فتدل على تكريس الحياة بعمل الروح القدس نتيجة للاتحاد مع المسيح.
«اغتسلتم وتقدستم وتبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا»…. هذه البركات الثلاث(الاغتسال والتقديس والتبرر) لابد منها كلها للخلاص، لأننا لا نقدر أن نتبرر دون أن نغتسل من دنس الخطايا الماضية، فنصير إلى صورة المسيح. فهي تشتمل على كل ما يحتاج إليه الخاطىء للنجاة من الخطيئة والاستعداد للسماء، وننالها كلها باستحقاق المسيح وبعمل الروح القدس في قلوبنا. فعلى الذين حصلوا على هذه البركات الثلاث أن يشكروا الله، وعليهم أن يتجّنبوا كل خطيئة وأن يعيشوا عيشة مقدسة، متأكدين أن حياتهم هي من الله، وعليهم أن يعيشوا لله في قداسة حقيقية.
«ٱغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلٰهِنَا» (١كورنثوس ٦: ١١)
أبانا السماوي نحن نشكرك من كل قلوبنا لأننا كنا تحت الدينونة، وكان يجب أن نهلك. لكننا في المسيح صرنا خالصين، لأنه لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. أبانا، ساعدنا لنتنازل عن حقوقنا وطلباتنا من إخوتنا، فلا تسمح لنا أن نجرَّهم للمحاكم، بل أعطنا أن نسامحهم ونباركهم، وأن نساعدهم وأن نشاركهم فيما عندنا، كما أنك قد ساعدتنا ووقفت إلى جانبنا وباركتنا، اغفر لنا نقص الطهارة في حياتنا وأعطنا أن نحب بعضنا بعضاً من قلب طاهر وبشدة.
١٢ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لٰكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تُوافِقُ. كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لٰكِنْ لا يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. ١٣ ٱَلأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَٱلْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَٱللّٰهُ سَيُبِيدُ هٰذَا وَتِلْكَ. وَلٰكِنَّ ٱلْجَسَدَ لَيْسَ لِلّزِنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَٱلرَّبُّ لِلْجَسَدِ. ١٤ وَٱللّٰهُ قَدْ أَقَامَ ٱلرَّبَّ وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضاً بِقُّوَتِهِ. ١٥ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ ٱلْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ ٱلْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! ١٦ أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ ٱلْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّهُ يَقُولُ: يَكُونُ ٱلٱثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. ١٧ وَأَمَّا مَنِ ٱلْتَصَقَ بِٱلرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. ١٨ اُهْرُبُوا مِنَ ٱلّزِنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا ٱلإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ ٱلْجَسَدِ، لٰكِنَّ ٱلَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. ١٩ أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلَّذِي فِيكُمُ، ٱلَّذِي لَكُمْ مِنَ ٱللّٰهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ ٢٠ لأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ (١كورنثوس ٦: ١٢ – ٢٠).
يبدأ الرسول بولس بقوله «كل الأشياء تحل لي» ويكررها مرتين. ويبدو أن بعض المؤمنين في كورنثوس كانوا يكررون هذه الكلمات من غير وعي، لأنهم غير منضبطين ويدَّعون أنهم يمارسون ما يسمّونه الحرية المسيحية، وهم ينسون أن الحرية المسيحية تعني التحرّر من الشهوة ومن عبودية الخطية والإثم. ولا شك أن المجتمع الوثني الذي كان مستعبَداً لشهواته وخطاياه ونجاساته كان يؤثر على المسيحيين في تفكيرهم، فقد انتقلوا من البيئة الوثنية الفاسدة إلى الجو المسيحي النقي، لكنهم جاءوا معهم ببعض الأشياء السيئة التي كان يجب عليهم أن يتخلصوا منها. ويكرر بولس قولهم «كل الأشياء تحل لي» لكنه يقول لهم «لكن ليس كل الأشياء توافق، ولا يتسلط عليَّ شيء». صحيح أنني حر في المسيح، لكن ليس كل الأشياء توافقني كابن لله، ولا يجب أن يستعبدني شيء ما. إن كنت حراً آكل ما أريد لأن الطعام للمعدة والله سيبيد الطعام والمعدة، لكن في مسألة الزنا هذا شيء مختلف، فليس جسدي ملكاً لي، ولكنه ملك للرب.
لعل بعض المسيحيين في كورنثوس استغلُّوا تعاليم بولس الرسول – أنهم ليسوا تحت الناموس ولكنهم تحت النعمة – لكي يبرروا أعمالاً غير أخلاقية. مثل هؤلاء الأشخاص يجب أن يدركوا أنهم قد خلصوا بالمسيح، وأنهم مِلْك للمسيح، وأنهم لا يجب أن يكونوا تحت سلطان الأشياء العتيقة الفاسدة. إن الله لم يعطنا أجسادنا لنمارس بها الزنا، بل لتكون آلات مقدسة في يده. وعندما ننال الخلاص نتحد بالمسيح ونصير واحداً فيه، وهكذا تخلص أجسادنا وأرواحنا بنعمة المسيح، ونصبح أعضاء في جسد المسيح. ولا يجب أن واحداً منا يظن أنه يأخذ أعضاء جسد المسيح ليستخدمها لأهداف شريرة. كانت الخطية الجنسية متفشية في كورنثوس، وكانت ترتبط دوماً بعبادة الإلهة الزهرة. وكل من يرتبط بزانية فإنما يرتبط بالعبادة الوثنية نفسها. وما دام المؤمن قد ارتبط بالمسيح فإنه لا يمكن بعد ذلك أن يرتبط بزانية، وإلا كان خائناً للمسيح مرتبطاً بعبادة الوثن. ويطالبنا الرسول بولس أن نهرب من خطية الزنا كما هرب يوسف من زوجة فوطيفار.
بعض الخطايا لا تؤذي جسد الشرير، مثل خطية السرقة. نعم هي خطية، ويجب أن نوقفها – ولكنها لا تؤذي جسد السارق. أما الخطية الجنسية فتختلف عن ذلك، لأن الزاني يؤذي جسده بنفسه، ويعرّض نفسه لأمراض، ويُضعف حياته النفسية والبدنية. ويمضي الرسول بولس ليشجعنا على طهارة الحياة، فيقول إن جسدنا هو هيكل الروح القدس الذي وهبه الله لنا، فلسنا ملكاً لأنفسنا، لأن المسيح اشترانا بثمن. وما دمنا لسنا ملكاً لأنفسنا، وما دامت أجسادنا هيكلاً للروح القدس، فيجب أن نحيا حياة الطهارة ليتمجد الله في أرواحنا ويتمجد أيضاً في أجسادنا، لأن أرواحنا وأجسادنا ملك لله. ويمكن أن نرى في كلمات الرسول بولس هذه ثلاثة أفكار رئيسية:
- الحرية المسيحية مقيدَّة، بمعنى أننا لا يجوز أن نستعمل حريتنا المسيحية لنؤذي أجسادنا.
- الزنا خيانة لا تتفق مع ارتباط المؤمن بالمسيح.
- خطية الزنا إهانة لجسد الزاني، فهي تسلب الجسد المسيحي كرامته كهيكل لله.
«مَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ٦: ٢٠)
يا أبانا السماوي، نشكرك من أجل الحرية التي لنا في المسيح يسوع ربنا، الذي حررنا من عبودية الخطية ومن سلطانها، والذي أعطانا طهارة الفكر وقداسة الحياة. نصلي أن تعطينا القلب الطاهر والجسد الطاهر، لأن من التصق بالرب فهو روح واحد. ساعدنا لنهرب من الزنا لأن جسدنا هو هيكل للروح القدس الذي فينا، وأننا لسنا ملكاً لأنفسنا. لأجل خاطر المسيح.